تداخل الخيال الروائي بالواقع المعاش
«الشخصية الروائية» لهيثم حسين
يعرض الروائي والمترجم السوري هيثم حسين في كتابه «الشخصية الروائية»٬ الصادر عن دار «نون»٬ رحلته مع عالم الرواية٬ مسل
على جوائز عالمية مثل روايات لهيرتا موللر وجوزيه ساراماغو وماكسويل كويتزي وغيرهم٬ بشكل يذكرنا
بكتاب «يوميات القراءة» لألبرتو مانغويل.
يحاول حسين أن يسبر «أسرار الروائيين» في مخاضهم لرسم شخصيات أبطالهم٬ مشيًرا في الوقت ذاته إلى أن كل امرئ هو مشروع شخصية روائية وأن يومياته قد
تشكل أر ًضا خصبة لآلاف الروايات. ومن هنا قد تقترب هذه الشخصيات٬ بشكل أو بآخر٬ من شخصية الروائي ليشكلا مزي ًجا من شخصية متخيلة وأخرى واقعية. وقد
«تتمادى» هذه الشخصيات في التجذر بحياة الكاتب كأن تسكنه هي بدلاً من أن يحكم قبضته عليها بنفسه.
ويشير المؤلف٬ في هذا السياق٬ إلى أهمية خصوبة الخيال الروائي بما يتداخل مع الحقيقة في ولادة شخصيات تعيش مع القارئ على امتداد صفحات الرواية. وبناء على
ذلك٬ هو يوازي بين أهمية الخيال الروائي والواقع المعاش في تشكيل ملامح الشخصّية الروائية ورسم أبعادها الفسيولوجية والسيكولوجية لتحديد ارتباطها بالشخصيات
الأخرى٬ وبالتالي تشريح شذرات وخصائص إسهامها مهما اتسعت أو ضاقت دائرة الدور الذي تؤديه في العمل الروائي.
ثم يحلل المؤلف التقنيات الكتابية للعمل الروائي ليلقي الضوء على اختلاف النظريات في هذا المجال٬ سابرا أغوار المقاربات المتعددة من خلال المقارنة بين الأعمال
إلى التداخل بين شخصية الروائي وشخصياته٬ لكنه أفاض في ذكر
الروائية محل الدرس٬ والشخصية الروائية و«سلطتها النافذة» وأطوارها المختلفة٬ وصولاً
ا أكثر ديناميكية وحماسة.
الشخصيات مما يساهم في تشتت قارئه وفقدان ذاك الشغف الذي كان ليزرعه فيه لو استخدم معولاً مختلفً
ا على إعادة
وأكثر ما يلفت انتباه القارئ هو أن الناقد يغلب الجانب التحليلي دون أن ينحصر في إطار عمل إبداعي معين بل يتناول المنجزات الإبداعية الأخرى متكئً
ظهور هذه الشخصية أو الشبيه في عوالم روائية جديدة. وهذا يدل على حس المراقبة ودقة الملاحظة٬ وكأن علاقة ما تربطه بشخصية معينة في كتاب يحاول البحث
عنها وتتبع أخبارها في كل رواية يقرأها.
وأكثر من ذلك٬ يسعى حسين إلى تفكيك البعد السيكولوجي للروائي وللشخصيات معا٬ في علاقتها بالواقع والعملية الفنية وبالقارئ أي ًضا الذي قد يكتشف أنه قد يكون
بطل عالم روائي قائم بذاته دون أن يعلم٬ وبذلك يثير ظلالاً من التساؤلات في ذهن قارئه. هل نحن فعلاً عرضة لأن نكون مادة روائية كاملة قائمة بذاتها أم أن بعض
سماتنا قد تحاكي ملامح شخصية روائية في هذا العمل أو ذاك؟
يستند حسين إلى مدرستين من المقاربة الروائية دون أن ينحاز إلى واحدة على حساب الأخرى مكتفًيا بطرح المعطيات التي لمسها٬ لكن الكتاب امتاز بطابعه الأكاديمي
الموجه للنخبة المثقفة والمتخصصة بحيث يتعذر على القارئ العادي أن يتوغل في ثناياه لكثرة الأسماء والروايات والمنجزات الإبداعية التي يقاربها مجتمعة بين دفتي
كتاب واحد.