سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






مقالات نقدية عن ادب مريم مشتاوي

29/08/2017 - 04:09:39 pm
قراءة في قصيدة (ليلة الذكريات الشتوية)
قراءة عبد الله خزعل/ العراق

قراءة في قصيدة (ليلة الذكريات الشتوية) للشاعرة مريم مشتاوي

 

 

مرة أخرى أقف على عتبات ديوان مريم مشتاوي؛ لأنهل من عبق النّور وطيب المحبة.

أمٌّ ثكلى تعيش مع ذكريات مؤلمة،ترسمُ أمام مخيلتها حوارات صغيرة ،تعيشُ كلّ جزئياتها، تذكرُ ملامحها بدقةٍ متناهية. صور الذكريات تتجسد بأطياف النور؛ فتستعيد لها حياةً على شريط سيميٍّ يأخذها بعيداً مع آلامها التي طرزتها صورُ الجمال والإبداع. تعيشُ مريم في هذه القصيدة وابتداء مع مفردة العنوان حالةَ الأمّ الثكلى التي تذرف دمعها غزيرا مع كلّ طيفٍ يتراءى لها عبر ذكريات حبيبها الصغير الذي يشبه ملاكاً زارها كطيف في ليلة شتائية باردة.

فعادة ما يرمز الشتاء إلى الفقد والوداع والحزن، فهو يأتي بعد فصول نضجت فيها المحبة؛ ليقطف ثمارها ويلقي بها بعيداً …

في قصيدة ((ليلة الذكريات الشتوية)) سأقف على مفرداتها وتراكيبها؛ لاستخرج من بحورها اللؤلؤ والمرجان إذا جاز التعبير.

((كمْ أرغبُ بالرحيل في ليلةِ الذكريات الشّتوية)) مع كم الخبرية والتي تفيد الكثرة نقرأ أمنية الشاعرة التي تتمنى أن تكون راحلة في هذه الليلة الشتائية المشحونة بالذكريات.. رحلة إلى الوراء قليلاً وكأنها تريدُ السفرّ عبر الزمن ولكن ليس لاستكشاف المستقبل بل للرجوع إلى الماضي والعيش قليلاً مع ذكريات جميلة.

((ها أنا أحاولُ استرجاع حواراتِنا كلها)) إذا هي الرغبة في استرجاع الذكريات .هاء التنبيه والمصدر المزيد (استرجاع) كانا بمنزلة المؤكدين للرجوع قليلاً إلى الماضي.وكأن الشاعرة تعيش لحظات صراع كثيرة مع آلامها ومحاولتها النسيان ولكن دون جدوى حتى رضخت لسلطان الماضي؛ فاسترجعت عبرتها بذكريات مؤلمة.تعطينا رحلة الرجوع تفاصيل دقيقة بينتها مريم وهي تبكي بدموعٍ ساخنة…

((أستريحُ على الفواصل وأشهقُ على النّقاط.)).. فواصل الألفاظ والتي هي قوالب للمعاني، ونقاط الحروف وهي إعجام لمهملات أليمة.. ها هي مريم تحاكي ألفاظها وتصورها في قوالب الخام وكأنّها أمام المعاني مباشرةً دون لحاظ الأشكال اللفظية… وهي لغةٌ انزياحية رائعة؛ أن تشير إلى الظاهر ولكنّك ترسم إلى البعيد من المعاني والحقائق…

(( أسترجعها وأنا أجمعُ أشياءَنا الصغيرة)) نلاحظُ أنّ الشاعرة تجمعُ ذكرياتها شيئاً فشيئاً وكأنها مقسمة على أشيائه الصغيرة،((وكلمة صغيرة كناية على صغر الراحل )) المهم أن هذه الذكريات المعنوية لها أشياء مادية ارتبطت بها وكأنها قوالب لفظية لمعانٍ تبحر في الذكرى. في هذه الصورة يكمن سؤالٌ مفترض: وما هي هذه الأشياء الصغيرة؟يأتي الجواب في الفقرات اللاحقة والتي تستنزفُ ذكرياتها دموعَ مريم وكأننا أمام شلال من الدموع لا ينقطع.. وترسمُ لنا الشاعرة بقية الصور بمخيلتها التي تعيش الماضي الجميل بألم يعتصر القلب… كل ذلك والإبداع والخيال يساير كلّ هذه الذكريات..

((قميصُكَ الأزرق الصيفيّ

ذاك الذي اشتريناه من سوق العصافير

أتذكرُ الشبّاك الصغير

سألتني يومها

لمَ اخترتِ لي قميصاً أزرقَ عليه رسمة شباك؟….))

انتقالة عبر مفصل جديد ولوحة جديدة تضمّ صورة من صور الماضي .انتقلت الشاعرة عبر الجملة الاسمية لتخترق ناموس الذكريات فعبر الدال لاح لنا المدلول والدلالة.. عبر القميص الأزرق رأينا ذالك الطفل الصغير وهو يحاور والدته ببراءته المعهودة. استعارة سوق العصافير لتشبيه ذلك السوق الخاص بملابس الأطفال والصغار بعش العصافير الذي ترتاح فيه…ثم أخذت الشاعرة توغل في الوصف لذلك القميص الأزرق لأنه كان محطة في شريط سيمي ضمّ بعض الذكريات… فتذكر رسمة لها مدخلية في الحوار والنتائج.الشباك الصغير الذي كان مرسوما على القميص ولعله كان رمزا تدخل إليه العصافير الصغيرة والتي هي من نسج خيال خصب لشاعرة القصيدة… العصافير التي سترحل يوما تأخذ معها صاحبها العزيز الذي قدمت من أجله…

((قد عرفت…

الشباك سيطلُ على قلبٍ مواسمه الأربعة دافئةً….

الطّيورُ تتدفقُ على أشكالها إليهِ…

وتعلمك التغريد والتحليق…العودة إلى عشيّ الدافئ عند الغروب…))

محاورة جميلة مبتنية ربما على سؤال مفترض وجواب يغلفه الخيال والصور الشعرية الرائعة… رمزية الشباك هي الحرية التي تتمتع بها هذه العصافير ولجوئها إليه رغبة منها إلى صحبته والانطلاق معه في سماء البراءة والطفولة…

صورة القميص الأزرق بشباكه الصغير إحدى مفاصل القصيدة ولوحاتها الجميلة التي بنت عليها الشاعرة العمود الأول من قافيتها النثرية…لتنتقل بعد ذلك بواو العطف لصورة قميص آخر وأعني لذكرى أخرى من ذكريات صغيرها المفقود…

((وقميصُك الأحمر …

اخترته أنت ستارا…

ومن يومها

وأنا أضعُ المساحيقَ التجميل

لألون الدموع…

لون آخر يختلف عن لون السماء الصافية ألا وهو الأحمر ورمزية الأحمر عادة تكون قوية ودامية وتوحي إلى شيء قوي…و رقة الشاعرة في اختيار ألفاظها ودقة معانيها جعلته لوناً يشير إلى الحزن الذي جعلها تضع مساحيق التجميل لتلون دموعها وتخفي حزنها…ولعل القميص الأحمر يشير إلى مرض صغيرها الذي كان ستاراً بينه وبينها بل وبين الحياة الجميلة التي ترجوها له…

صورة وسطية بين الصفاء والبياض الذي يعني الرحيل كما سوف نرى في اللوحة الثالثة …

استطاعت مريم مشتاوي توظيف دلالة اللون في كتابة ذكرياتها وجعل رمزيته حاكية عن قصصٍ جميلة…

لتنتقل بنا الشاعرة إلى الصفحة الأخيرة من رمزية اللون المعبر…

((لكنّك رحلت…

بقميصكِ الأبيض..

رحلت… وتركتني أبحثُ عنهُ يومياً

في أركان بيتنا المشقق…))

رمزية الأبيض واضحة ولمَ رحل الصغير به؟ …إنه قميص معنوي يشير إلى البراءة وعالمٍ ملائكيّ خالٍ من الذنوب التي تثقل كاهل المرء.. رحل نقيّا بريئاً كأنّه عصفور حطّ على شجرةٍ ثمّ ارتحلَ منها بعدما زيّنها بمنظره الجميل وأرجعت أوراقها صدى نغمات صوته الجميلة…

رحل لتبحث عنه في أركان بيت تشقق من صدى الذكريات وربما من خيوط النور التي اخترقته راجعة إلى موطنها في السماء الصافية حيث الملاك والرب وكل الأنبياء…..

في النهاية أقول: إن ثلاثية الألوان التي أخذتنا معها في رحلة ذكريات تغلفها صور التشبيه الرائعة كان توحي بدلالات معنوية رائعة استطاعت الشاعرة من توظيف اللون ورمزيته للانتقالات المفصلية عبر لغةٍ سهلة وجميلة والإكثار من الوصف والمجاز ، كانا سمة للغة شاعرية تمتاز بها قصيدة ((ليلة الذكريات الشتوية…)) …

تحياتي للشاعرة مريم مشتاوي

عبد الله خزعل


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» هاتف الرياح وأنفاس الشجن  / أمير تاج السر هاتف الرياح وأنفاس الشجن / أمير تاج السر مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان رسالة شعرية من مريم مشتاوي رسالة شعرية من مريم مشتاوي مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود... مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود...
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com