سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






مقالات نقدية عن ادب مريم مشتاوي

11/12/2018 - 01:18:53 pm
رواية -جسور الحب- لمريم مشتاوي ..جسور تتدلى منها قناديل الأمان و الحب و الطمأنينة.
داليا حمامي/ الحوار المتمدن

 

رواية -جسور الحب- لمريم مشتاوي ..جسور تتدلى منها قناديل الأمان و الحب و الطمأنينة.

 

تبدأ الرواية الجديدة للشاعرة و الكاتبة مريم مشتاوي من مدينة الجسور "قسنطينة" الجزائرية، لتحكي قصة الصبية الجميلة "بايا" و عائلتها، فتعيدنا إلى جو الألفة و المحبة النقية.. فيه الجار فرداً لا يتجزأ من العائلة، و الجارة أمّاً ثانية تحتضن أبناء جارتها و ترعاهم تحت جناحيها بكل إخلاص، فيه أبواب البيوت يحرسها شعور الأمان و الحب و الطمأنينة، لا الأقفال.

تتيح لنا الكاتبة مريم من خلال روايتها، التعرف على عدة حكايات عربية في لندن، يداعب شخوصها حنين لأوطان فقدوا فيها ما يبقيهم على قيد الحياة، و يقسو عليهم مهجر يمنحهم كل شيء إلا شعور الانتماء له، عمل مكثف بالمشاعر الإنسانية الصادقة بكل تنوعاتها، تتعرف فيه "بايا" على ذاتها و مكامن قوتها و ضعفها، و تدرك فيه أن أي منا قد يخذله قراره بالرحيل عن أرضه لسبب أو لآخر، وأن لحظة الوعي و التبصّر الصادقة، التي لا نصادفها كثيراً في غمار حياتنا، لا تترك للمكابرة مكاناً في أذهاننا، التي نضجت تحت نوازل ما تخيّلنا حدوثها لنا يوماً.

تبدأ أهم فصول الرواية عند السيدة البريطانية "كليونا" التي احتضنت "بايا" و اهتمت بتعليمها و فتحت لها باب السفر إلى لندن في مسعى منها أن تتجاوز "بايا" عدة محن و خيبات حلت بها و بعائلتها.

تسافر الصبية بخبرتها الغضّة إلى لندن المغلّفة ببرود علاقاتها و مجتمعها، لتُصدم بالفرق الشاسع بين مدينة الجسور و دفء روابطها، و مدينة الضباب و جفائها الذي صفع كرامتها، و أهانها في بيت شقيقة مولاتها "كليونا"، لتنطلق في مغامرتها اللندنية بالانتقال لبرج غرينفيل الغاص باللاجئين و المهاجرين العرب، و تبدأ عملاً بسيطاً كمساعدة لبائع تونسي في متجر الشرقيات الذي يملكه.

في هذه الأثناء، تبتسم لندن بحذر لبايا، و تُعرّفها على شاب سوري نجا من قوارب الموت و براميله و كل أدواته حتى وصل إلى برج غرينفيل، ليبدأ قلب بطلتنا بالتوهج بحب رقيق يوقد شمعته على استحياء في ظلام وحدتها، لكن ابتسامة لندن لها لا تكتمل، و تسدد لكيانها الهش صفعة أُخرى أقسى من سابقتها حين يشب حريق هائل في البرج السكني، يلتهم ساكنيه و يحولهم إلى رماد يتطاير معه كل ما بقي لها من أحلام و آمال، و يعيدها إلى نقطة البدء، يتيمة وحيدة مكسورة الروح في مدينة غريبة بلا روح.

السرد في هذه الرواية متقن و النص محبوك بلغة الكاتبة المميزة، لغة الشعراء الأنيقة، بلوحاتها الملونة بريشة مفردات لا تعرف التكرار أو التناسخ.. أذكر على سبيل المثال:

(( أحنّ للسنوات الأولى التي توفيت فيها طفلتي، حينها كان حزني عليها مبرراً و كنت أرى نظرة المحبة من الأهل و تلك النظرات كانت تعزيني، أما الآن بعد مرور سنوات طويلة، فقد تبدلت تلك النظرات و اكتسبت معنى آخر لا يقل قسوة عن قسوة الموت الذي اغتصب روحي..تأكدت أنني فقدت مع السنوات حق الحزن باكراً و كأن حزني أصبح ذنباً أحمله إلى أن أموت )).

الانتقال من الجزائر إلى لندن أتى سلساً و لم تغفل الكاتبة عن وصف رحلة بايا في الطائرة و كل ما يرافقها من مشاعر الانسلاخ عن الوطن و الخوف مما هو قادم.

الحوار متماسك و يأتي عميقاً متزناً يناسب الشخصيات، والحوار الداخلي الصادق للبطلة يجعل القارئ يتعاطف معها و كأنها ابنته أو أخته الصغرى.. أذكر هنا مناجاة "بايا" لحبها الأول الباقي في الجزائر:

(( يا صفوة دمعتي.. الحب مثل اليتم.. وأنت أورثتني الاثنين)).

يرتجف القلب لحبكة الرواية، حيث أفاضت الكاتبة إفاضة إبداعية في وصف تفاصيل حريق البرج و صراخ سكانه في وداعهم للحياة و عويل أحبتهم..تفاصيل مغرقة في حزن مهيب وسط مأساة إنسانية تمس قلب كل مغترب يخشى الموت وحيداً في مدينة لا تعرفه، و ستنكر جسده الساكن في ترابها أبدا..أقتبس من الرواية هذا المقطع:

((لقد حرقتني وحدتها في الموت أكثر من موتها..أين الأهل و الأصحاب؟

لو كانت في مدينتي لتجمعت نساء الحي و أصدقاؤهن حولها و غسلنها و ندبنها.. يا إلهي كم هو حقير أن يموت الإنسان غريباً..حتى الموت في مدينتي أجمل!))

تزخر الرواية بقصص و حبكات جانبية بشخصيات متنوعة أضافت الكثير للنص، كما أن تقنية الراوي على لسان البطلة تتيح الفرصة للقارئ لمعرفة أفكار "بايا" و كل ما يجول في خاطرها دون أن يختل بناء الرواية أو يُصادَر رأي القارئ بشكل مسبق..

(( و حين تبدأ بتزيين القماش تبتسم عيناها و يدخل فيها ضوء أبيض شارد.. هكذا تثبّت أمي أحلامها الجميلة مكان الذكريات التعيسة، و تفتح في القماش المحيط بها نهارات و ليالي مضيئة بالأقمار و الشموس و القناديل الساهرة و الشموع الشامخة، هكذا تخرج من عينيها فراشات و عصافير و سحليات ملونة تنسجها بحب، فتعيد للعمر عمره الضائع و للألوان ألوانها و للأضواء أضواءها)).

الرواية هي رابع قنديل تضيئه الكاتبة في دربها الروائي، نلاحظ فيه نضج الحبكات، و اكتمال العمل بخاتمة واقعية و منطقية، مع المحافظة على مستوى التشويق الذي لم يتداع على طول خط الرواية، بالإضافة لإتقان السرد المتميز بنسيجه اللغوي المتفرّد عند مريم مشتاوي، وبسحر وصف الأماكن في قسنطينة و لندن بجمالية غارقة في حب أصغر التفاصيل، و من الجدير بالذكر أن روايتها السابقة "تيريزا أكاديا"، لها نفس قوة العناصر الروائية التي تمتعت بها "جسور الحب"، لكن لتيريزا أكاديا درجة على جسور الحب بعنصر فكرة الرواية الخيالية، التي تسرح في مضارب المخيلة بلا حدود، بينما تأتي "جسور الحب"، الصادرة عن دار المؤلف في بيروت، من قلب واقعنا و من قصصه اليومية بكل ما فيها من حب و خيبات و قهر و خيوط خجولة للأمل.


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» هاتف الرياح وأنفاس الشجن  / أمير تاج السر هاتف الرياح وأنفاس الشجن / أمير تاج السر مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان رسالة شعرية من مريم مشتاوي رسالة شعرية من مريم مشتاوي مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود... مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود...
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com