سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






مقالات نقدية عن ادب مريم مشتاوي

29/04/2019 - 06:00:40 pm
جسور الحب للسورية مريم مشتاوي: أسئلة التباين الثقافي
أحمد الشيخاوي 

لا شكّ في أن التبويب الروائي الذي فصّلت به الروائية المغتربة مريم مشتاوي، منجزها هذا والذي هو قيد الدرس، يضعنا إزاء مسرحة حياتية تتلاعب بها المصائر والأقدار بشكل بشع ومقزز، حدّا من الإدماء الروحي، تتزلزل له عقيدة الكائن، بحيث نجدها تجدّف بخطاب المقارنة ما بين ثقافتين متضاربتين: شرقية تحكمها ذاكرة الأمجاد والاعتزاز بالمقدس والاحتفاء بالتقاليد، مقابل أخرى غربية منفتحة ومشرعة على جملة من المغالطات التي تحجبها روح التماهي مع التقنية والبعد الإنساني، بيد أنّ هذا يظل مجرد شعارات وادعاءات وأباطيل، بدليل إدانة المنجز الروائي الواقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، في كلّيته، لنظير هذه الوصايا غير البريئة والسافرة بانحيازاتها وخياراتها الاقصائية وضبابية تطبيقاتها واستعمالاتها مع عموم الأعراق.

 

رواية مبهرة بمعمارها الحكائي، منذ أولى عتباتها ومرورا بالمحطات التي تجرد الوجع العربي، ما بين عالمين غريمين بالكامل.

 

ومن هنا تأتي أهمية هذا المنجز، وإن هدل بفصوله قلب أنثى، قد لا يتقن سوى لغة الحب، والتوجّع بسيمفونيته على امتداد خريطة للضياع والموت والاغتراب المزدوج والمركّب.

 

مابين الوطن المنبت/ الجزائر والوطن المنفى/ بريطانيا، مغامرة مجنونة يشاكس فيها الأنثوي بكل ما أوتي من هشاشة وملائكية وتشبّث بالحب الأول، ولكن... بما يقلب المفاهيم ويحيل على نرجسية متخففة من عبء منطق الجماعة والنحن، أو لنقل الاندفاع والتهور المراهقاتي، جراء هيمنة خفوت العديد من إمكانات واحتمالات الاصطدام براهن يحكمه كما أسلفنا المقدس وتعربد بأحلامه التحفّظات والأعراف والتقاليد.

 

مواضيع ذات صلة

"عادت الخطيئة إلى مطبخي" للسوري أمير عدنان مصطفى: بديل الثورة الثقافية

 

سلطة الموزون في منجز الشاعر المغربي محمد العياشي: مناورة بـ"نيوكلاسيكية نصّانية"

 

المغربية سهام حليم في قصائد تأجيل العشق: للصوت الأنثوي صولات وجولات

فلنتابع كيف تبدو الروائية، عبر لسان الذات الساردة بايا، كصبية في مقتبل اختبار العشق والانغماس في دوامته، متمكنة من توزيع الأدوار على شخوصها، إلى حدّ بعيد، وواعية بالاشتغال على العنصر الزمكاني، تبعا لطقوسيات سردية، مدبّجة بتقنية السهل الممتنع، مع توابل متناثرة للشعرية الرواية، بدء من حقول ارتفاع مؤشرات الهجرة وترك عاصمة الشرق الجزائري قسنطينة فمرورا بتجربة الاغتراب المريرة فانرسام ملامح العودة إلى الوطن في مخيلة بطلة الرواية بايا، هذه الإرهاصات المغلّفة بمنظومة أسئلة موجهة للجدة رقية في برزخيتها، وقد غذّاها تراكم اليأس الذي أفاض كؤوسه حريق برج غرينفيل، وهو حدث قضى على فضاء الوهم وهدمه بالكامل، لدى الساردة ولم يسعفها في إكمال قصة الحب المتخيلة مع الشاب السوري باسل كضحية ذلك الحريق الكارثي، حتّى وقد اكتسى معنى إستطيقيته، أي ذلك الحب بلذة القصر الذي يشبه رقصة الهايكو الخاطفة، من كونه مجرّد تغطية على لوعة الفراق وهجر الحبيب الأول تقي الدين، نزولا عند رغبة الجدة رقية والتي تركت حفيدتها تنضج على نار الأسئلة الحارقة، بغية اكتشاف السر الذي حال دون إكساب كهذه علاقة عاطفية شرعية ما، أقلّه لدى هذه العجوز المعجونة بالكبرياء والصمود الأمازيغي.

 

[تعرّفت على جمالي من تقي الدين، لأنه كان دائم التغزّل بي ويصفني قائلا: أعشق زرقة عينيك لأني أشعر بأنهما امتداد لعيني.. تفرّع مني لا بد أن يعود إليّ في كل مرة أنظر إليهما تطيب لي الأيام وينضج الفرح المنسي في داخلي فهما شهوتي الدائمة للحياة. قولي لي كيف أقاوم تلك الغمازتين المشاغبتين وذاك الفم الكرزي المنمنم. وكيف لي أن أتجاهل خصل الشمس الذهبية الطويلة التي تناغش كتفيك. تلك هي ورطتي في العشق ] (1).

 

بعدما تصعق بايا بخبر وفاة والديها، كخادمة لم تتجاوز الثامنة عشرة من العمر، في بيت السيدة الإنكليزية كليونا التي سوف ترتّب أوراق تهجيرها هي، إلى لندن، حيت تجد في الاستقبال مارغريت شقيقة السيدة، تزمع التخلي عن سائر ما يربطها بالمنبت، تنشد ما تستحيل معه وبه أوراقا للعذرية، ترنو لمن يلوّنها بمعاني الحب والسعادة والحياة، خارج شراك الموت والفجائع، وهي تغادر الديار، تلتقي شابا يدعى يونس، يركب إلى جنبها الطائرة، فيكون لاحقا طرفا محوريا في تجربة اغتراب بايا، هذه الأخيرة التي ستتمنع عليه في أكثر من موقف، مع تعشّقه لها ومساعداته الجمة لها، في العديد من المناسبات والظرفيات المحرجة.

 

[هل من شيء نسيت أن تلقّنني إياه جدتي؟ فهذا الرقص أيضا تعلمته منها. كانت تقول إنه من صلب تراثنا. وكانت تصرّ أنه النوع الوحيد من الفنون الذي تهتزّ له الأشجار من جذورها وتعزف له الوديان ألحانها وتزقزق معه الطيور في الجنة.

 

بدأت أشعر بالخوف من المغامرة اللندنية فأنا لم أتعلم من السيدة كليونا سوى بعض الكلمات باللغة الإنجليزية .. ولا أعرف كيف سأتدبّر أموري في مطار هيثرو. وكيف سأتفاهم مع السيدة مارغريت؟

 

كان التوتر ينغل في جسدي والضيق يكبل صدري ويشد بأغلاله عليه فيعصره بقوة حتى كاد النفس يطير مني وبدأت أبحث عن آخر يبقيني على صلة بالحياة] (2).

 

وهيهات... تظل بايا طريدة لعنة لا تتبين أسبابها، كهاربة من شارع إلى آخر،تنسى نسيان الحب الذي هو أصل كل الأدواء، ملتزمة بوعدها للجدة، المناهض لخيار الاقتران بالعشيق الأبدي تقي الدين، فارس الأحلام الذي سيحضر معها ويكون حضورها الرمزي قوياً ومنافسا لحضور الجدّ بثقل تعاليمها ووصاياها الضاغطة، أينما حلّت المعشوقة بايا وارتحلت، يكون جزءا من تجربة اغترابها، وقريناً قاهراً لا يبرح مخيلتها.

 

[فتحت السيارة ورحت أركض شاقة طريقي بين الناس.. كنت أشعر بأيد تحاول إيقافي ولكني كنت أضربها بكل ما أحمل من قوة وادفع نفسي كالمجنونة وأنا أصرخ:

 

ــــــ باسل باس... يا عم إدريس... يا عم إدريس أين أنتما... وصلت إلى الصف الأمامي بأعجوبة ورأيت النيران تتصاعد من الطوابق السفلية بسرعة مخيفة] (3).

 

هكذا ،ومن فم العم الثمانيني إدريس، هنالك في المهجر، سيتكشّف للصبية الحالمة العجول، بايا، سرّ رفض الجدة لتقي الدين، والذي يكمن في كون جدّته عاشت مومياء مدمنة على نوادي الجنس ، تصنع متعة جنود الاستعمار الفرنسي، آنذاك، من أجل الحصول على بعض الدريهمات.

 

وختاما، نلفي الرواية، على الرغم من أنها قفلت بأسئلة تمطر قبر هذه الجدة الأمازيغية، فقد تركت مفتوحة على جملة من الاحتمالات، من بينها إمكانية الرجوع إلى الديار.

 

وقد تحققت مع الإبحار في فلك سردياتها المدغدغة بحس الانتماء، المترع بثرثرة القلب وأصوات الأنثوي الخفيضة، أغراض الرواية في إطار اتهام مثل هذا البون الشاسع ما بين ثقافتين متنافرتين ،بدل التكريس لآليات التعايش والتجاور ،يزداد ويستفحل، على نحو يضرّ بهوية العربي، كما يجور على قيمة الحب كضرورة لاتّزان الكائن والعالم.

 

هامش:

 

(1) مقتطف من الفصل الأول من رواية "جسور الحب" صفحة 15.

 

(2) مقتطف من الفصل الثاني من ذات الرواية، صفحة 66.

 

(3) مقتطف من فصل الرواية الثالث والأخير الحريق صفحة143.

 

جسور الحب، غرينفيل تاور (رواية)، طبعة أولى 2018 منشورات دار المؤلف، بيوت ـــ لبنان.

 

*شاعر وناقد مغربي


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» هاتف الرياح وأنفاس الشجن  / أمير تاج السر هاتف الرياح وأنفاس الشجن / أمير تاج السر مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان رسالة شعرية من مريم مشتاوي رسالة شعرية من مريم مشتاوي مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود... مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود...
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com