سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






عشق

01/07/2017 - 08:10:36 pm
فصل من رواية عشق /مريم مشتاوي

رواية عشق - الفصل الرابع

  تعلقت "عشق" بأصدقاء الأستاذ "محمد"..

فأول من أثر بها في رؤياه الشعرية العميقة كان "تي. أس. إليوت"، وأحبت "رامبو" وطريقة تركيبه المشاهد وكان لـ "ريلكه" الفضل الأكبر في تهذيب آرائها الشعرية.. كما كان لـ "مروين" أثر كبير في كتاباتها الجديدة من خلال تأمّلاته العميقة في الطبيعة والأشياء الحياتية.

في خضم تجربة المرض والسكن في غرفة صغيرة في مستشفى "غريت أورمند ستريت" أدى تأجج المشاعر إلى تدفق نثري أكثر منه شعري بسبب الحالة النفسية المتأزمة التي كانت تسيطر عليها..

ولكن بعد موت "جاد" وبفضل الأستاذ "محمد" وأصدقائه الكتّاب نضج الألم، الذي قاد إلى التكثيف الشعري في قصائد "عشق" الجديدة...

كانت تجلس في غرفتها ساعات طويلة مع كتب تحملها بعيدًا من "كوكب الخذلان"، بحسب تسميتها.

وكان الأستاذ "محمد" فخورًا جدًّا بطالبته المجتهدة.. اتصلت به مرة لتقرأ له قصيدة جديدة عبر الهاتف.

وكانت المفاجأة الكبرى.. أن الأستاذ تهدج صوته من شدة تأثره وقال لها من دون أي تحفُّظ، وهو المتحفظ دائمًا في آرائه:

اليوم ولدت "عشق" الشاعرة فهنيئًا لنا بك.

وفي حديث تليفزيوني للأستاذ "محمد" قال عن عشق:

- "تجربة الوجع الإنساني التي عايشتها أكسبت قصائدها رؤية شعرية جديدة، وقد تمكنت من تحويل الوجع الإنساني، الذي هو موضوع مشترك بين البشرية، إلى قيمة شعرية حقيقية".

مع مرور الوقت تحسنت حالة "عشق" النفسية قليلًا... وأدبيًّا، تخطت شهرتها العالم العربي في أقل من سنة ووصلت إلى أوروبا بعد حصول ديوانها الأول على جائزة الشعر العربية.

ولكن على الرغم من نجاحها فإنها كانت تسكن عوالم مختلفة ولكل عالم حكاياته... تجتهد في عالمها الواقعي تدرّس وتنظم الأمسيات الشعرية . لكن "عشق" تبقى تلك الفراشة البيضاء التي تهرب أحيانًا إلى عوالمها الأخرى باحثة عن الضوء... هناك تعيش قصصها وحيدة وهناك تحترق في كل مرة تقترب من الحب.. ومع ذلك تبقى عيناها الكبيرتان مفتوحتين على الحياة...

لقاء "عشق" و "هادي":

كانت "عِشق" تردّ على رسائل معجبيها على صفحتها الفايسبوكية حين وصلتها رسالة لفتت نظرها بشكل خاص:

- عسْلامَهْ.. أستاذة عِشق.. أنا الإعلامي هادي دربال من قناة المستقبل..

- أهلاً وسهلاً أستاذ هادي..

- نِتْمَنّى إنّك تِقْبلْ تْزيدْني لِلّيسْتَهْ مْتاعْ أصْحابِكْ.

- أكيد أستاذ هادي بيشرفني طلبك.

- ونِتْمَنّى نِتْقابْلو قْريبْ بَاشْ نِهديلِكْ ديواني إلّي كِيفْ صْدرْ مِنْ دار الثقافة.. سْمَعْتْ إنِّكْ تِكتِبْ المقالات النقدية ورايِكْ يْهِمّني برْشَهْ.

- عندي بكرا مقابلة تلفزيونية على المستقبل بركي منلتقي وبستلم الكتاب.

- نِسْتَنّاكْ.

بعد تسجيل الحلقة الحوارية خرجت "عشق" وهي تشعر بنشوة كادت تنسيها موعدها مع "هادي". وحين كانت تهم بالخروج من المبنى وجدت في المقهى المقابل رجلًا أنيقًا يدخن سيجارته ويحمل في يده كتابًا بطريقة توحي بكثير من الحرص وكأن الكتاب هويته الوحيدة ليقفز عن حدود النافذتين الخضراوين ..

- اقتربت منه مبتسمة وهي تشعر ببرود خفيف يتسحب بين الشفة السفلى المرتخية والمثقلة بلونها الجوري والعليا المتماسكة بعنفوان الشاعرة...

- أستاذ هادي فرصة سعيدة..

- أهلاً بيك أستاذة عشق.. هذا ديواني الجديد نِتْمَنّى يِعْجْبِك.

حملت "عشق" الديوان بين يديها وغادرت مسرعة إلى التاكسي الذي كان في انتظارها وكأنها حصلت على جرعة من السعادة غير المتوقعة.. أرادت أن تهرب بها، وكأنها كانت تخاف أن تخسرها إن تحدثت مع "هادي" لوقت أطول...

دخلت غرفتها واتجهت نحو السرير وهي تتحسس يدها التي لمست يد "هادي"، فحين لمس يدها نبض في قلبها شيء يصعب وصفه... شيء يشبه ندفة الثلج أو رقرقة الماء... شيء دافئ شعرت بأنها تخاف عليه منذ اللحظة الأولى أو ربما تخاف منه.. وضعت الديوان على صدرها وغفت.

في صباح اليوم التالي استيقظت على صوت "نور":

- يلا يا عشق رح يوصل التاكسي بعد ساعة لازم تحضّري حالك للجامعة.

- جاء صوت "نور" محاولة هروب ناجحة من تسونامي عاطفي منتظر..

حاولت "عشق" أن تتجاهل صوتها وتتناسى أنها صحت وتعود إلى الحلم.. فهناك التقت مجددًا "هادي" وأرادت أن تعيده معها إلى الواقع ...

رغبت في إكمال المشهد الأول أمام محطة التلفزيون، وكأنها أرادت أن تشد وتثبّت وصال الخط الدرامي بين الحقيقة والحلم.. فالأحلام متواطئة مع الله.. وهي تكمّل لحظات الحياة الجميلة... وبها تخف حدة ألم الواقع.

منذ ذلك الحلم و "عشق" تحاول في كل لحظة أن تنام..

في مساء اليوم التالي تلقت "عشق" رسالة على الواتساب:

- عشق محْلاك ... نعْرِفْ إنِّك موشْ باشْ تْصدّقْني خاطِرْ تُقابِلْنا مرّهْ بَرْكْ أمّا أنا نْحِبّكْ ... وْتصْويرْتِكْ مازالِتْ في خْيالي... عَدّيتْ الليل في بار شيرِةْ بيكر ستريت... كنت نُشرُبْ برْكْ باشْ نْسافرْلِك.

فكرت "عشق" كثيرًا قبل أن تردّ على رسالة "هادي"... فهي أيضًا تشعر بشيء غريب يصعب ترجمته... فكتبت:

- هادي.. بتذكر أول مرة ناديتني فيها "عشق"؟ حسيت بغيمة زرقاء هبطت من السماء ونزلت فوق كتافي... حسيت بأنهار عم تجري تحتي... ولأول مرة بمشي فوقها مستقيمة... خلّي عيونك قبالي تكمِّل الطريق...

- عشق حبيبتي، إنّجْمو نِتْلاقاوْ غُدْوَهْ في رِسْتورانْ الساحة مْع الماضي ساعهْ؟

- وعم تسأل؟ أكيد رح كون ناطرتك...

في صباح اليوم التالي ارتدت "عشق" فستانًا أسود يحدد مفاتن الليل الطويل، يترك مجرةً تتراءى من أعلى البقعة البيضاء بين الرقبة العاجيّة الشامخة والهضبة الخصبة الخجول... هناك تتمايل النّجوم الأربع قليلًا وتعودُ لتهبط مطوقةً خط الاستواء وتشده بحزم فتحتبس حرارة الخاصرة وترتعش الأرداف متراقصة تحت القماش الحريريّ.

رفعت شعرها الطّويل وشدته ثم لفته بشكل دائري وكأنها أرادت أن تدور معه حول نفسها للمرة الأولى لتعقد عبثيتها ... حينها نظرت في المرآة بتمعن فوجدت عينيّ "هادي" تتفتحان وتكبران في وجهها حتى كادت تغيب معالم وجهها الأخرى...

ابتعدت عن المرآة لكن عيني "هادي" ظلّتا متربصتين بها، تتكاثران في كل شيء حولها...

أغلقت باب البيت بقوة وكأنها تصفعه ليبعد وجهه قليلًا عنها فتستعيد توازنها.

توجهت إلى نهر قريب من منزلها كانت تمشي إليه في كل مرة تشتد غربتها. أما هذه المرة فحملت سلتها وراحت تقطف الورود المجاورة تضعها في السلة ثم ترميها في النهر... أفرغت سلتها عدة مرات في النهر وكانت الورود تطفو فوق المياه…

هل يمكنني أن أمشي الآن فوقها لأصل إلى "هادي"؟

تركت "عشق" سلتها إلى جانب النهر وأسرعت للقاء "هادي" في مطعم الساحة.

وفي طريقها إلى المطعم كانت تخرج من حقيبتها كل بضع دقائق قارورة العطر وترشها بشكل عشوائي وَهِي تردد: الرائحة لا تخون... الرائحة تبقى...

دخلت المطعم وكعادتها اختارت طاولة في الزاوية علّها تمنحها بعضًا من الأمان فتخفف من رعشة يديها.

لم تمرّ دقائق حتى وصل "هادي" ومن دون أن يتلفظ بكلمة واحدة سحبها من يدها المرتعشة بثقة عمياء وطال العناق حتى كادت "عشق" تنسى أهمية التنفس لاستمرار الحياة. جلست بقربه كالنعجة الصغيرة وظلّت صامتة غارقة في سترته وكأنها تعرفه منذ سنين طويلة، وكأنها تنتمي فقط إليه.

أرادت أن تعيش اللحظة بتفاصيلها... فـ "عشق" تفضل لغة الصمت حين يتعلق الأمر بالمشاعر...

ما أهمية الأسئلة ؟

فقد تعلمت من "أنسي الحاج" وهو صديق وفي للأستاذ "محمد"، أننا "نحب بقدر حاجتنا إلى الحبّ. وإذا لم يكن المحبوب يستحقّ كلّ هذا القدر فالذنب ليس ذنبه بل ذنبنا. إلاّ إنّ ما نحسبه ذنبنا، هنا، هو أعظم ما فينا".

واكتشفت "عشق" بعد فترة ليست بطويلة كم كانت تحتاج إلى هذا الحب، للحب ذاته، وأنها أحبت هذا الحب كثيرًا.. وربما لم تكن حقًّا تحب "هادي".


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
الجزء الاول من رواية عشق /مريم مشتاوي الجزء الاول من رواية عشق /مريم مشتاوي فصل من رواية عشق /مريم مشتاوي فصل من رواية عشق /مريم مشتاوي
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com