سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






ادبية

03/07/2018 - 12:08:53 pm
حين يجتمع الفرح والألم ويُجسّدهُ الأدب.. مريم مشتاوي
حوار نسرين بكّارة

حين يجتمع الفرح والألم ويُجسّدهُ الأدب.. مريم مشتاوي

لا تفتأ الحياة  تتقمّص أحد أدوارها معلنة الحرب على أنفسنا في سلسلة غريبة بل ومنتظمة من الابتلاءات والمحن التي كلّما ظننا أنّها الأخيرة أعلنت علينا حربا جديدة.. ولربّما لو عُدِمت هذه المحن من الحياة لفقدت معناها ولما كُنّا ما نحنُ عليه الآن.. ولربّما بدت لنا الحياة مبذولة مملولة دون هذه الفواجع التي نكتشف بها أنفسنا ونتعرّف من خلالها على إنسانيتنا وإيماننا ولا شيء غيرها يمنحنا هذه الصلابة التي نحن عليها الآن لمقاومة كبَدِ الحياة.

 

سُمّيت بالمصيبة الأعظم.. الموت.. يتسلّل العمر شيئا فشيئا وكأننا لا نشعر به ولكن متى فارقنا من نحبّ ينبّه القلب فينا معنى تلك السنين الراحلة ويأخذ منّا الفقد عمرا آخر وكأنّ في لحظة الفراق تلك تطايرت عدّة أعوام أخرى من حياتنا.. وليس أشدّ حرقة من أن تفارق أمّ فلذة كبدها.

 

 هي أمّ ككلّ أمّ ولكنّها تعِي جيّدا ألم الفراق.. انتُزعت قطعة من وجودها فرجعت باكية وجلست في كلّ مكان محزونة والتمست في القلب معنى المناحة على أحد معاني الموت وتعلّمت كيف أنّ الأموات في القبور الهادئة لا ينادى عليهم بأسمائهم ولكن ينادى عليهم ب”يا أحبابنا يا أحزاننا” وعلِمت أنّ أقوى ما في الإنسان هو ضعفُه وأنّ ذاك الضعف هو الوحيد الذي يمكن أن يعطيها الصمود وأنّ النور في الحقيقة لا يلجُ إلا من ثقوب الظلام.

 

مريم مشتاوي.. أديبةٌ وأمّ تعرفُ كيف تبكي وتتألم في قوّة وتحزن في جمال وتقول لنفسها “ابكي فتسقي الأرضُ تُربتكِ—وتطير الفراشاتُ البيضاء من جبهتكِ العالية—ابكي فتنبتُ من ذراعيكِ أجنحةُ العصافير—حين تبكين يا مريم سيتنشّقُ وجهُكِ في القارّة الأخرى وسيبكي—دعيه يبكِ—قد تُبرقُ من عينيه الحياة”.. اقتفينا دمعة مريم حين حطّتها في قصيدة “الحذاء الصغير” التي رثت فيها ابنها “أنطوني” الذي وافته المنيّة بعد صراع مع المرض فكان سلاحها قلم وكلمة تجمع بها شتات حزنها وتقول “ها أنا أعانق الحذاء الصغير—فأمشي به خلف ذكراك—يأخذني إلى موسم الدفئ والحنين—فاشعر بآلام المخاض من جديد وأنتظر ولا تأتي الساعة—أنتظر يوما..شهرًا..سنة..دهرا—وآلام الولادة تشتد—والعمر يمرّ–وحذاؤك :الصغير يعانقني”.. والتمسنا شيئا من مزيج الحزن والحياة في مريم وكان لنا معها الحوار التالي

 

مريم مشتاوي كاتبة وُلدت تحت ظل الحرب اللبنانيّة.. من يراها يدرك أن محياها يجمع بين البهجة والألم فما سر هذا؟-

 

 

 

حين أغمض لأعود إلى الطفولة، أجد نفسي مع أمي وجيراني.. كلنا في الطابق الأول من العمارة اعتقادا منا أنه الأكثر أمنا في زمن الحرب الأهلية اللبنانية.في زمن غدر، قد تكون القذيفة من حزبٍ أحدُ عناصرِه من نفس المنطقة أو الشارع، وأحيانا كثيرة من نفس البيت.أعود إلى الطابق الأول حيث تجلس أمي فوقي لتحميني من الموت..وأتذكر يوم قررت أمي أن نغادر بيتنا في بعبدا، المكان الأكثر استهدافا ، وننتقل إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت حيث كانت تعمل ممرضة. كانت عمتي رئيسة قسم التمريض في المستشفى نفسه.. وبحكم منصب عمتي الكبير كان عندها بيت داخل المستشفى، فسكنت معها في بيتها… وكانت في شقتها مكتبة صغيرة تزدحم بالكتب. فصادقتها وبات الخيال ملجئي لأهرب من الحرب.. وأصبحتت الكتب جسرا من الخيال ينقلني إلى عالم رومانسي آخر بعيد كل البعد عن زمن القتل الأخوي.. اليوم بعد مرور سنوات طويلة وتتابع حروب كثيرة هنا وهناك ، وبعد خسارتي لابني في حربه ضد السرطان تعلمت أن الألم يصنعنا…وأدركت أن حبنا للحياة هو القوة الخارقة التي ندفع بها الصخرة عن باب القبر.. حبنا للحياة هو القيامة.. الإنسان هو مزيج من الألم والفرح .. كلما زاد الألم.. فبالألم وحده نستحيل إلى صيادي لحظات فرح.

 

 لا يمكن أن أنسى يوم أخبرني الطبيب بأنها الأسابيع الأخيرة من حياة طفلي. يومها قررت أن أصنع رغم أنف الموت ذكريات جميلة مع أنطوني… فكتبت على ورقة كل الأماكن التي يحبها. وبدأت كل يوم أرتب له زيارة إلى مكان … لم أكن أريد أن نستسلم للموت بسهولة… عليّ أن أعترف بأن الدموع كانت وما تزال معمودية روحية تطهرني، تعيد تشكيلي من جديد ، وتجعلني أكثر قرباً من إنسانيتي.

 

هل لكِ أن تحدّثينا عن ظروف هجرتك إلى لندن والتحدّيات التي واجهتها ؟-

 

بعد تخرجي من الجامعة الأمريكية ودراستي للأدب العربي انتقلت إلى لندن بسبب زواجي من رجل مقيم في بريطانيا حيث أسست عائلتي الصغيرة. كانت الحياة سهلة فقد وجدت عملاً بسرعة ولكن التحدي الكبير كان مرض ابني أنطوني

 

لقد كان بعمر الثلاث سنوات حين شعر بألم حاد وأخذته إلى المستشفى لأكتشف أنه يعاني من سرطان في مراحله الأخيرة.. عشنا معاً في المستشفى سنة ونصف.. بدا الوقت أطول من عمر بحاله.. ليال طويلة لا تنتهي.. أردت من يسمعني من يلهيني قليلاً عن التفكير في الواقع المر الذي كان يلتهمني رويداً رويداً فلجأت إلى الصديقة الوفية القديمة التي كنت قد تركتها في بيروت وهي الكتابة. كنت أقرأ وأكتب لساعات طويلة.. حين توفي طفلي الصغير كتبت مجموعتي الشعرية التي أسميتها “حين تبكي مريم”..ولأن الشعر بطبيعته مكثف ومساحته ضيقة ليس فيه مساحات شاسعة للتعبير ولا يحتمل تدفق المشاعر لذلك لجأت إلى الرواية التي جاءت كحاجة ملحة وليدة الأحداث الأليمة التي نعيشها يومياً. فكتبت رواياتي الثلاث: “عشق” ، “ياقوت” ، وتيريزا أكاديا

 

 

 

في قصيدة الحذاء الصغير تحدثتِ عن إعادة آلام المخاض.. أين أخفت مريم الآن الحذاء الصغير.. وهل انتهت الآلام الثانية للمخاض أم أنها لا تزال متواصلة ؟-

 

الحذاء الصغير مازال حاضراً وسيبقى ما دمت أتنفس.. أيعقل أن أخفيه؟ إنه الحنين.. روائحه تشدني إليه أبدا! أحتفظ بثيابه وأحذيته وألعابه.. هي مازالت كما كانت في مكانها ولكنها الآن تشاكس الغياب.. وربما لا تمل من انتظار عودته…لن أكف أبداً عن ذكر أنطوني… أتحدث معه بشكل يومي إلى حد أني أراه يكبر معي ويشاركني يومياتي وتفاصيلي الصغيرة . أعترف بأني أحن للسنة الأولى التي توفي فيها حينها كان حزني عليه مبرراً أما الآن وبعد مرور خمس سنوات فقد بت أخجل من دموعي.. لقد سلبتني السنوات حق الحزن.. وهذا لا يقل قسوة عن قسوة الموت الذي اغتصب روحه باكرا.

 

كيف ساهم صالونك الثقافي ذو الطابع الخيري في لندن في ربط خيوط الحضارتين الغربية والعربية ؟-

 

الصالون الثقافي هو تجمع شهري لمثقفين وكتاب وشعراء عرب وأجانب من محبي الثقافة العربية ينظم فعاليات ثقافية متنوعة تهدف إلى مد الجسور بين الثقافتين العربية والبريطانية وتقديم صورة مشرقة عن الثقافة العربية في زمن شاعت فيه مفاهيم خاطئة عن العرب في بلدان الغرب. لحد الآن احتفى الصالون بقامات عربية كبيرة : مثل جبران خليل جبران ونزار قباني ونازك الملائكة وغيرهم كما أحيا ذكرى تفجير شارع المتنبي.

 

أسست الصالون الثقافي بعد موت ابني الصغير لدعم الجمعيات التي تعنى بمرض سرطان الأطفال.بدأت في لندن ثم توسعت النشاطات إلى بلدان عربية أخرى . فقمت بأمسيتين ثقافيتين لصالح مركز سرطان الأطفال في بيروت أما في تونس فكان لي أمسية شعرية لصالح مستشفى عزيزة عثمانة. أؤمن بأن مساعدة طفل مريض هي أعظم آية في الحياة

 

 

 

-عملك الخيريّ الذي تسعين من خلاله لمساعدة مرضى السرطان هل هو خوف على الأمهات من أن يمرّ العمر بهنّ والحذاء الصغير يعانقهنّ أم أنّه شعور مريم مشتاوي بأمومتها لكلّ أطفال العالم؟

 

لا أعرف كيف أجيب عن هذا السؤال.. ولكني أمّ فقدت ابنها وتشتاق له بجنون.. ربما مساعدة هؤلاء الأطفال يعيد أنطوني إلى أحضاني.. يقربني منه.. لا أعرف إن كنت أبحث في كل طفل مريض عن وجهه.. لا أعرف إن كنت أحاول استعادته من خلالهم. أو ربما إنها الرغبة في محاربة المرض الذي سرق مني طفلي.. أو قد يكون ذلك الشعور بالفرح الذي أستمده من تلك الأيدي الصغيرة. أعترف بأنهم ساعدوني أكثر بكثير مما ساعدتهم.. هؤلاء منحوني سبباً إضافياً أعيش لأجله.. فالعطاء وحده يرفعنا إلى أعلى مراتب الفرح

 

 

 


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
حين يجتمع الفرح والألم ويُجسّدهُ الأدب.. مريم مشتاوي حين يجتمع الفرح والألم ويُجسّدهُ الأدب.. مريم مشتاوي هذا الكون مجهز للحب الذي يروي الروح هذا الكون مجهز للحب الذي يروي الروح مريم مشتاوي: تربتنا المسمومة تنتج الاٍرهاب مريم مشتاوي: تربتنا المسمومة تنتج الاٍرهاب الذات تتأرجح بين السؤال والغياب الذات تتأرجح بين السؤال والغياب الشعر أوسع من أي إطار ولا يمكن إحتجازه الشعر أوسع من أي إطار ولا يمكن إحتجازه
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com