الثقافة والإبداع
المَساحة المتبقية للإنسان ولإبداعه ضيقة جداً، فتربتنا العربية مسمومة بالإرهاب، والحروب...في زمن لم يسبق له مثيل في انحداره. وشريحة المثقفين المتمثّلة بالإعلاميين والأدباء والفنانين والشعراء هي الشريحة الأكثر مسؤولية عن إحداث تغيير إيجابي في المجتمع إذا أتيحت لها الظروف الملائمة وخاصة الحرية الفكرية.
الثقافة بمعناها الشامل هي التي تجعل الإنسان أقرب إلى إنسانيته لأنها هي التي تشذب النوازع البدائية كالعدوانية والهمجية ولكنها لا تكفي كفعل منفرد وإنما يجب إشاعتها في كل مناحي المجتمع وبخاصة بين فئة الشباب سريعي التأثر بالأفكار العنيفة والمشوهة. وهذا يتطلب جهداً هائلاً من قبل المثقفين والجهات المسؤولة غير الملوثة والمترهلة بأجندات داخلية وخارجية، التي لم تفعل شيئاً طوال هذه السنوات لتفادي الهوة التي وصلنا إليها إذا لم نقل إن بعضَها قد يكون سبباً من الأسباب الرئيسة في تفشي الجهل وهو أم وأب الإرهاب. بهذا المعنى فإن تكريس ثقافة حقيقية وبرامج موجهة تحترم الإنسان وتنفتح على الآخر يشكل مساهمة فعالة في ثقافة إنسانية تنويرية. لذلك، فإن دعم الناشئة المتميزين وتشجيعهم هو إحدى الوسائل للنهوض بالمجتمع.. نعني المتميزين في كافة الحقول والمجالات.. وقد شاهدنا مؤخراً حركة قد تكون بداية مشجعة لتوعية الشباب وتنمية هذه الظاهرة التي بدأت متمثلة بتقديم برامج تلفزيونية كثيرة منها (نوافذ) و(مبدعون في المهجر) وغيرهما.. وتنمية وتطوير هذا الاتجاه هما من مسؤولية الجهات الإعلامية والثقافية خاصة كانت أم عامة.. عالمنا اليوم هو عالم الثورة المعلوماتية، ويمكننا القول إننا نعيش الآن في عالم يتمحور حول الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.. إنه عالم مرئي يلعب الإعلام فيه دوراً كبيراً في تشكيل الإنسان والمجتمع وبخاصة عنصر الشباب.. ومن هنا يجب ليس فقط تشجيع المواهب الشابة والناشئة على تحقيق ذواتهم، وإنما أيضاً الكشف عن قدراتهم ومواهبهم. كما لا يمكننا، في الوقت نفسه، أن نقلل من أهمية الدعم والتحفيز الذين يمكن أن تقدمهما الصحف الورقية لمواهب ناشئة.. لذلك فإن تخصيص مساحات واسعة لهم على صفحاتها وتسليط الضوء على قدراتهم هما حاجة ملحة وليس كما نرى اليوم من اهتمام فقط بالأقلام والأسماء الكبيرة والمعروفة.. فالمواهب الناشئة بحاجة لفرصة والتغيّر الإيجابي في العالم لن يحدث إلا من خلال عنصر الشباب.. تلك الفئة الاجتماعية المهمة التي تحمل بطبيعتها أفكاراً حديثة ومتجددة تناسب العصر.. كما يجدر بوزارات الثقافة في البلدان العربية ممارسة أدوارها وواجباتها وتوفير ميزانية كبيرة لدعم هذه المواهب وتشجيعها. ولكن، وفي الوقت نفسه، لا بد أن نكون على وعي كامل بفرز المواهب الحقيقية كي لا نواجه خطورة تحول المجتمع الثقافي إلى مجتمع مخملي استهلاكي يسعى فيه كل من له سلطة أو قدرة على إصدار كتاب أو أي عمل (إبداعي) تماماً كمن يعجبه معطف من الفرو أو حقائب ممهورة بالعلامات التجارية الباهظة أو بعض إكسسوارات يزين بها حضوره الاجتماعي لتصبح الكينونة الثقافية جزءاً من مجتمع يفرّغ ثقافة الإبداع من معناها ويحولها إلى أداة استعراضية تجمل شكله وصورته ولا تلتفت للمضمون أو تثريه في ظل سيول من إسهال الكلام واستسهال الكتابة والفنون. لذلك يجب أن ينصب تشجيع الجهات المسؤولة فقط على المتميزين بالمعنى الحقيقي للكلمة.