سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






مقالات نقدية عن ادب مريم مشتاوي

11/12/2018 - 01:19:13 pm
العزلة عن العالم أو المكان كوعي للمحبّة في رواية جسور الحب
  عبدالحفيظ بن جلولي/ كاتب جزائري/القدس العربي

 

 العزلة عن العالم أو المكان كوعي للمحبّة في رواية جسور الحب

 

 

تعتبر الرّواية بطبيعتها حقلا سرديا/حواريا، للملمة المُبعثر على حواف الذاكرة والمتخيّل، تحتفي بالجغرافيا، لا لتزيح التاريخ، بل لتجعله معلما في أنطولوجيا ذاكرة الجغرافيا.

التاريخ في الرواية، ليس كوقائع وأحداث، بل كمتخيل الذات في علاقته بأشياء العالم. تاريخ الذات المحتمية بالمكان، الفَرِحة بالتعدّد الفضائي داخل أمكنة العالم وأمكنة المتخيّل، ذلك ما تحاول استعادته رواية «جسور الحب/غرينفيل تاور» للروائية السورية مريم مشتاوي القادمة من بيروت، النّافرة من لندن والعالقة بجسور قسنطينة.

 

هل يمكن أن نختار الأمكنة، بعد أن تستقر تلك، البدئية في كياناتنا ووجداناتنا وأخيلتنا؟ «جسور الحب»، تخوض هذه المغامرة بين مدينتين، مدينة للجسور ومدينة للضّباب.

 

الأمكنة.. فتنة الاختيار

 

هل يمكن أن نختار الأمكنة، بعد أن تستقر تلك، البدئية في كياناتنا ووجداناتنا وأخيلتنا؟ «جسور الحب»، رواية تخوض هذه المغامرة بين مدينتين، مدينة للجسور ومدينة للضّباب. تباشر الرّوائية كتابة مراسيم الحب لمدينة زارتها فأسرتها، تفجّر مكانها الأوّل لتشق سرابيل صوفية من المحبّة، وتذوب في مقام مدينة أشرقت من تخوم السّرد الممرّد بقوارير المتخيّل. عبق الذاكرة حين تهيم بما يُدرَك في مجال العين، ويتعيّن على السّريرة أن تديم صورة المدينة السّحر لتكتب كلمات الحدث، لا من واقعية التجربة، ولكن من تخييل المعنى الدائر في إيقاعات عميقة للكلمـــات الآتية من فيض الأمكنة الجمالي، ومن مآسي الهجرة فيها أيضا.

ليـس سهلا على الرّوائية أن تندمج في محبة لا تنوجد سوى في ما يتحلى به الوجدان، متخليا لحظتها عن أماكنه البدئية ليمارس التجربة بكل عنفوانها، فالمحبة لا تبلغ لذتها القصوى سوى في انفراد المحبوب، وتقدّم شذرات نتشه في كتابه «العلم المرح» فرصة الاختيار مشفوعا بالحرّية.

 

الشّخصية/ انبثاق الوعي التخييلي

 

«بايا»، الشّخصية الرّئيسة تختزن كل التناقضات الدّافعة على خوض التجربة إلى أقصى الحدود، شخصية مكثّفة بالمغامرة والمحبّة، تحيل بكل براءة السّرد إلى الذات الكاتبة في تشظيها الواقعي بين عوالم الأمكنة، بيروت، لندن وقسنطينة. لعل ميشيل بيتور يمنحنا تلك الإمكانية في اللعب على الضّمائر والتحايل عليها لتفصح عن سرّها الكامن، في إمكانية الإحالة إلى الرّوائية حيث يقول: «ويعلم كل منّا أنّ الرّوائي يبني أشخاصّه، شاء أم أبى، علم ذلك أو جهله، انطلاقا من عناصر مأخوذة من حياته الخاصة، وأنّ أبطاله ما هم إلا أقنعة يروي من ورائها قصّته ويحلم من خلالها بنفسه». ينبثق الألق التخييلي في هذه الرّواية من جرح عاش الحدث، الواقعية فيها ليست حدثية ولا وقائعية، إنّها جرح الكلمات حينما تستنسغ الألم من حكايا الذاكرة وتفيض في استرجاعه بحذافيره، التي سكنت مخيال الكلمات وتفجّراتها الفنّية عبر معمار لا يستهين بالحدث، بل يضرب للتفاصيل وتدا في القلب وبناء في المكان، هي الرّواية تسع العالم بتفاصيله وأحداثه.

 

لا يملك المتخيّل سوى العودة إلى المكان مختبِرا برهة التحليق فوق الجسور، ليكتشف جوهر الوحدة الذي يتآلف معه حين تختلي به جسور قسنطينة.

 

«بايا» تتلقى قسنطينة من جدّتها، فتخبرها وهي صغيرة بأنّ «تلك الصّخرة القديمة تخشى الوحدة لذلك مدّت جسورا..»، هل هي جسور الأمكنة المتعدّدة في واقع الذات الكاتبة؟ لا يملك المتخيّل سوى العودة إلى المكان مختبِرا برهة التحليق فوق الجسور، ليكتشف جوهر الوحدة الذي يتآلف معه حين تختلي به جسور قسنطينة، لأنّ مؤشّرات العزلة عن العالم في تلك اللحظة تمتد لتضع الذات في رباط وثيق مع جسور أخرى ليتحقق المنفذ الحقيقي إلى الحياة، «كانت الرياح تتأرجح مع الجسور كي تنفخ الحياة في صباح جديد يلتحف مدينة الصخر العتيق»، فلحظة العبور ليست هروبا من خطر اهتزاز الجسر، بل امتداد في برهة أخرى تتحقق في ما تخفيه الرّواية في معنى «تنفخ الحياة»، إنّها لحظة الحرّية التي تتدفّق في أعالي الامتداد بين الصخور وسماء فسيحة وجسر ينهل من انبثاقات غير منتظرة.

 

وعي الحب/ الرّواية الجسر

 

تنجز «جسور الحب» تناصا حميما دافئا مع مراكز نصّية أخرى في التعالق الرّمزي مع الفضاء، فـ»الفضاء الرّوائي، مثل كل فضاء فني، يُبنى أساسا في تجربة جمالية» كما يرى حسن نجمي، والتجربة الجمالية تكون ذات قيمة حين تتشاركها الذوات الفنّية، بدون سابق تحايث، وميراث المحبّة لقسنطينة ينبع من التواطؤ الحميم بين الذّات والفضاء، على أساس العقد الأدبي الأزلي الذي انبنى في الوعي العاشق للمكان، باعتباره الدال على التوق الجوهري للهجرة، داخل الذات وخارجها، أو داخل المكان وخارجه، وهذا ما تقدّمه رواية «جسور الحب»، لا من كونها نسجت حكايتها في قسنطينة، ولكن من خلال رؤية المدينة بعيون بيروتية، والإمعان في اكتشافها ومحبّتها من خلال الهجرة إلى لندن، وفي هذا تتطابق الذات الكاتبة و«بايا» التخييلية، وتنبثق الأواصر بين الفضاءات، من خلال الرّواية باعتبار الفضاء الرّوائي «حقل الذاكرة والمتخيّل»، وفق رؤية حسن نجمي. تنبثق جمالية الفضاء القسنطيني في رواية «جسور المحبة» من الترميز البدئي في عتبة العنوان، الذي ينفصل عنه عنوان فرعي «غرينفيل تاور» في انبثاق دلالي يفصل بين فضاءين متغايرين يتضمنّان وعيا مضاهاتيا بينهما، على أساس أنّ الحب أُسند إلى الجسور القائمة في قسنطينة، وغرينفيل تاور القائمة في لندن لا تحيل سوى إلى فاجعة الحريق المهول الذي أودى بحياة العديد من النّاس، والذي توثقه الرّواية بشفافية فنية، فيترتّب الوعي الانتصاري للمكان بداهة، باعتبار التضاد المنطقي بين «الحب»: «كانت مدينة قسنطينة مهيّأة للحب»، والتدمير الكامن في الحريق: «نظرت صوب العمارة فوجدت ألسنة النيران تتصاعد باتجاه الطوابق العليا».

 

يتساوق الوعي الحِبِّيُ في «جسور الحب» من خلال ما يستدعيه الوعي القريب من المكان، من متواليات الحب في شذرات العاشقين لقسنطينة، فـالرواية ترسم المدينة في زرقة السّماء.

 

يتساوق الوعي الحِبِّيُ في الرّواية من خلال ما يستدعيه الوعي القريب من المكان، من متواليات الحب في شذرات العاشقين لقسنطينة، فـ«جسور الحب» ترسم المدينة في زرقة السّماء: «شعرت بأنّ بيني وبينه سماء كانت زرقاء..»، و«السّماء ليست زرقاء سوى في قسنطينة»، هكذا تكلم مالك حداد، ربّما لأنّ الجسور تفتح أبوابا من خيال تصل قسنطينة بالجذر الأزرق في السماء، رغم الغيوم والسحاب، ولهذا كان الشوق إلى المكان يشتد كلما بدر في السماء شيء يحيل إلى الزّرقة، تماما كما جعل «بايا» تعود بالذاكرة والمتخيّل إلى قسنطينة، وهي في عمق لندن: «كم اشتقت لمدينة الجسور.. آه يا قسنطينة كم تمطرين بصمت داخلي»، هذه الغربة، تمثل المشترك الأمثل بين الذّوات المكانية المنفصلة بالممكن: «أشرعي بابك واحضنيني.. موجعة تلك الغربة.. موجعة هذه العودة»، هذا وَجَعُ أحلام مستغانمي المغتربة في رواية «ذاكرة الجسد». تتداخل الوحدات السّردية لتشكل الشعور العميق بالمكان في غابة الأمكنة الغريبة التي تتوزّع أجسادا لا تعيش سوى للمكان البدئي، لهذا تتلاشى لندن وتغتسل منها الذاكرة المكانية، لتبقى فاصلة قسنطينة/بايا مندرجة في محو الفصل المتدثر شكل المكان: «إنّه شتاء لندن الأخير». تنغلق «جسور الحب» على أَخِيريةِ «لندن» الباردة، وتنفتح كخطاب على العودة إلى المكان/الميلاد «قسنطينة».

 

عود على بدء:

 

بين «ضباب مدينة الإنكليز» و«ربيع الجسور المعلّقة»، تستوي سجادة المكان العريق في الذاكرة وفي «قصر الباي»، وتنقال قسنطينة حكاية تخرج من بين ألسنة اللهب المدمِّر لتعانق «جسور الحب» في فضاء الحرّية المطلِق، سردية اكتمال بأنامل بيروتية خبرت تجارب التعدّد والانفتاح، ومعنى أن تكون للمكان روح ورائحة: «إنّ رائحة الورود الممزوجة برائحة القهوة تغري الميت بالعودة إلى الحياة». «جسور الحب» تتيح للقارئ، تذوُّق متعة الخروج من النص كأنظمة خطاب إلى متعة الحكاية كتواصل إنساني، ترسم المكان جناحا على جسد الرّواية: «بهرتني مدينة الصّخر العتيق بجمالها، بعراقتها، بعبق تاريخها. وعرفت حينها أنها ستكون الأرض التي ستنطلق منها الحكاية» أو هكذا تكلّمت مريم مشتاوي.

 


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» هاتف الرياح وأنفاس الشجن  / أمير تاج السر هاتف الرياح وأنفاس الشجن / أمير تاج السر مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان رسالة شعرية من مريم مشتاوي رسالة شعرية من مريم مشتاوي مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود... مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود...
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com