سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






مقالات نقدية عن ادب مريم مشتاوي

20/07/2017 - 05:49:04 pm
تأمل في الحب والخسارات والموت
عمر شبانة/الاردن

 

رواية عشق لـ مريم مشتاوي : تأمل في الحب والخسارات والموت

بمزيج من الشاعريّة والروحانيّات، تكتب الشاعرة السورية لجهة الأب، اللبنانية لجهة الأمّ، (والبريطانيّة الجنسية) مريم مشتاوي روايتها "القصيرة" التي حملت عنوانا هو "عشق"، العنوان الذي يجمع هذه الأقانيم الثلاثة، في شخصية امرأة تعيش بروح وسلوك شاعرة، مضطربة، مهزومة، أبرز ما يميزها هو الرغبة في "المغامرة" والاكتشاف، من جهة، والخسارات الفادحة، بل المصيرية، من جهة ثانية وأساسية. في روايتها هذه تأخذنا مشتاوي مع الفتاة الشاعرة "عشق" في رحلة تنطلق من الحرب الأهلية اللبنانية ومآسيها، وتنتقل إلى لندن حيث التجربة "المرّة" تبدأ بهذه الفتاة حاملا من رجل لا تعرف حتى وجهه، وتنتهي برفض الزواج من تونسيّ يريدها أن تنتقل معه إلى تونس.  الرواية الصادرة في (دار المؤلف- بيروت 2016)، هي رواية "قصيرة" من نمط "النوفيلا"، ليس من حيث الحجم وعدد الصفحات فقط (160 صفحة من القطع الصغير)، ولا من حيث زمن وقوعها (هي تدور بين 1990 و2014، يعني ربع قرن تقريبا)، بل من حيث الطبيعة البسيطة للشخصية، وقلة الحوادث والتفاصيل الروائية، وفي الأساس لجهة التناول الشاعري لكلّ ما تمرّ به الشاعرة "البطلة/ عشق" (الشاعرة ثمّ الأكاديمية) من علاقات خسارات، في رحلة تكاد تخلو من المباهج والفرح والمسرّات، حتى كأننا أمام قصيدة روائية، أو قصة شعرية، سريعة الإيقاع، ذات لغة شاعرية، حتى وهي تستخدم اللهجات العربية (اللبنانية والعراقية والتونسية).    قبل الولوج في عوالم "عشق" وحكايتها، نتوقف عند شيء من عوالم مريم مشتاوي الشاعرة، حيث نجد بذورا من روايتها "عشق" هذه، في ديوانها "حين تبكي مريم"، سواء في عناوين القصائد، أو في محتواها، في أسئلتها "لمَ أحبك؟"، أو في قول الشاعرة "حين يتدفق الليل من أفواه البحار/ يردد اسمك على مسامع الريح/ فتهبط آيات الحب كلها وتتجلى سورة الفراق/ لمَ رحلت... لمَ"؟ أو في حديثها عن الوحشــة وخميرة الغياب والوحدة كما هو عنوان إحدى القصائد "..وأمضي وحيدة"، وسؤالها: لمَ استدرت؟ وتركتني أمضي وحيدة.."، أو سؤالها الذي يحيل إلى اختلاف حضاريّ "كيف واعدتك؟ وظلال عينيك على بعد حضارة مني/ كيف"؟ وفي الديوان يحضر ذلك العشق الصوفيّ "حبي لك تصوف في لحظات الغياب/ واستحضار المستحيل.. في الذاكرة". هذا إلى "مراسم الوداع"، و"الدفن"، والشهقات والحرقة أمام كنيسة السيدة العذراء و"غروب شهرزاد"، بل تحضر صورة الطفل المتوفّى "أتذكّر آخر مرة وضعت أذني على يدك الصغيرة"، و"حين تبكي مريم: أبكي فتنبت من ذراعيك/ أجنحة العصافير"، وأخيرا سؤال أساسيّ في الرواية عن "ماذا يفعل الأطفال في السماء"؟ و"طوبى لكل عاقر على الأرض".   في عوالم الرواية الشاعرة "عشق"، "البطلة"، في المعنى السلبيّ للبطولة، في هذه الرواية، وبحسب ما تقدّمها الكاتبة، هي شخصية "خيالية تماما، مثلها مثل الشخصيات الأخرى، على الرغم من أنها تحمل ملامح من شخصيات متعددة مرّت في حياتي، نقول ذلك تلافيًا للخطأ المحتمل الذي قد يقع فيه قسم من النقاد الذين قد يُماهون بين المؤلف وشخصيّاته، ولا سيّما الشخصية الرئيسية.. وخصوصاً إذا ما كانت الرواية من تأليف امرأة".    هي رواية على قدر كبير من الواقعية، منذ البداية المتمثلة في لقاء" الأستاذة نبيلة رئيسة الممرضات في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت".. (أو"Madame Méchante" ، كما تُعرف في أرجاء المستشفى لقسوتها غير المعهودة)، مع ياسمين، لتعرض عليها الزواج من أخيها عبد الله، وما تعرضه من إغراءات، بهدف تخليصه من امرأة أخرى، وهكذا يتزوج عبد الله من ياسمين تحت ضغط من أخته وأمّه، ولا يلبث أن يطلّقها لغياب التفاهم.    اللافت، في بدايات الرواية، هو المناخات الشعبية التي تجري فيها، وبروز ملامح من هوية "الضيعة" اللبنانية (ضيعة كفتون الشمالية) التي تصفها الكاتبة بشاعرية عالية بأنها "تتمسك أطرافها بالجبال البيضاء الشامخة، وتتمرجح كالطفلة فوق نهر الجوز المتمدد على صدر ديرها القديم". وحين إعلان الفرح بخطبة ياسمين وعبد الله، نرى كيف "بدأت تدق أجراس الفرح.. والنساء يحوِّلن الطناجر المعدنية والملاعق إلى آلات موسيقية رنانة".   تتشكّل الرواية في عشرة فصول، غالبيتها قصيرة، وتشكّل محطّات سريعة، لكنّها ليست عابرة، بل هي تحفر آثارها العميقة في حياة "عشق" ومسيرتها، منذ ولادتها في بيروت، وإقامتها في القسم الشرقي منها، واضطرار والدتها ياسمين للانتقال إلى عملها في بيروت الغربية، عبر "خط التماس" والقنّاصين وإمكانية أن تكون هي "الفريسة"، ثم علاقتها مع "كريم"، وثقافتها المركّزة في قراءة روايات جورجي زيدان "التاريخية"، وبدايات اكتشافها "أنوثتها" وجمالها الذي تقول عنه بلغتها الشاعرية أيضا "كلّ من يلتقي "عشقًا" يغادر محمّلا بالربيع"، أما عيناها فهما "محطّة تقف على رصيفها أحلام شباب قريتها الشمالية".    المحطّة الثانية المهمّة في حياة "عشق"، سوف تتشكّل في لندن، وهي تنطوي على محطات عدة، منذ وصولها إليها بهدف الحصول على الدكتوراه، ولكن هاربة أيضا من دكتاتورية الحرب الأهلية، ومن "جُبن كريم" ودكتاتوريته وخُذلانه لها وتخلّيه عنها، ومن دكتاتورية "راهبة الإرسالية الفرنسية" المحافِظة، وهي تظلّ "عشق.. ابنة الشمس والريح والمطر.. فلاحة الحياة"، التي لا تعجبها قصة "سندريلا"، ثم نراها وهي تلجأ إلى أحضان صديقتها "نور"، الصحافية التي هي "مزيج من الشرق الحنون والغرب المتحضر". هذه الـ"نور" التي ستفقدها عشق في حادث سير أثناء رحلة مشتركة إلى بيروت.   وفي نقلة سريعة، وكارثيّة الأثر، نجدها ذات ليلة في المقهى الليلي، مع النبيذ "تنتقم من الصور العالقة في ذاكرتها.. وكأس تنطح الأخرى، وصورة تنهار فوق أخرى"، حتى إنها لا تصحو إلا في سرير "رجل لا تتذكّر وجهه"، وحين تخبره أنها حامل، يتخلّى عنها، في "خذلان" جديد، لنجدها في "دوّامة" الحمل، وولادة ابنها "جاد" الذي سرعان ما سيصاب ويموت بالسرطان، الأمر الذي سيشكّل اضطرابات وتوترات جديدة في حياة إنسانة مضطربة أصلا.    وفي الأثناء ستتعرف "عشق" على الشاعر والصحافيّ العراقيّ محمد سلام، الذي تصفه بأنه "انسيكلوبيديا العرب"، و"اليساريّ الهارب من دكتاتورية صدام"، وهو الذي سيكون لها بمثابة الأب الرّوحيّ، والعلاقة معه علاقة عشق أبوي صوفي، فهو يوجّهها ويكشف لها عدم نُضجها "شعريّا".    القفزة الأخيرة والنهائية في محطة لندن، ستكون عبر علاقة تبدأ على الفيسبوك، مع "شاعر" تونسي يدعى "هادي"، وحوار باللهجة التونسية إذ تبرز كلمة "برشا" الشهيرة، ولتجد نفسها في "تسونامي عاطفي" مع هادي، وتعبّر عن مشاعرها من خلال نص تستعيره من الشاعر أنسي الحاج "نحب بقدر حاجتنا إلى الحبّ، وإذا لم يكن المحبوب يستحقّ كلّ هذا القدْر، فالذنب ليس ذنبه، بل ذنبنا. إلا إنّ ما نحسبه ذنبنا، هنا، هو أعظم ما فينا".   لكنّها رغم التعلّق العميق بهادي هذا، لا تتردّد في القول "إنها تحب الحب ذاته"، وإنها "أحبّت هذا الحبّ كثيرا، وربما لم تكن تحبّ هادي". وبعد رحلة له إلى بلده تونس، وتلقّيها أخبارا عن علاقة له مع "مومس"، ثمّ عودته إلى لندن بخاتم للخطوبة منها هي "عشق"، شرط الانتقال معه إلى بلده، ترفض هي الشرط، ونراها في النهاية وحيدة إلا من الأستاذ محمد والطبيب النفساني ووصفة أدوية للاكتئاب.. وكلمات الأستاذ محمد الأخيرة لها "عشق أنت ما تعرفين هادي غير من شاشة التلفزيون.. كنت استغرب ليش ما نطلع أنا وياك وهادي... والحمد لله ما تعرفيه لأنو إنسان مو نظيف، انت اخترعت حبه حتى تنسي وجعك على جاد.. وبدل ما طيبي من وجع جاد جبتيلك وجع جديد.. خطية عشق.. اصحي.. كافي عذاب".    نحن هنا أمام قصة من حلقات، تبدو غاية في البساطة، سواء على صعيد الحدث أو السرد، لكنّ الكاتبة تملأ المساحات والمحطّات بقدر كبير من التأمّلات، ففي كلّ موقف لها وقفة تأمّلية مشحونة بالأفكار والعواطف الحارّة، إذ تتوقّف أمام الكثير من التفاصيل اليومية، وتشبعها تأمّلا وتفكيرا، منذ المواجهات في الحرب الأهلية، وخصوصا في ما يتعلق بموت الأطفال ما أهمية الحياة حين يختل توازن طبيعتها؟... أطفال كثيرون يرحلون أمام أعين أهاليهم. ما أهمية الحب حين نقف عاجزين أمام الموت، أو استهداف البشر على الهوية، وحتى في ما يخص العلاقات العاطفية والزوجية، وصولا إلى مشاعر الغربة والاغتراب التي يعاني منها المغتربون.    الأبرز في "حكاية" عشق هذه، طموحاتها المركّزة في عالم الشعر والثقافة، فهي تتنقّل تحت وطأة الخذلان والخسارات، من جهة، لكنها من جهة مقابلة وأساسية لا تنسى "القصيدة"، قصيدتها التي تطاردها وترافقها مثل ظلّها، فتظل الهاجس الأساس الذي يسكنها، ونراها ناشطة على مستوى المشاركة في الأنشطة الثقافية/ الشعرية، وهنا نلتفت إلى أن الأمر كلّه ينطوي على شيء من محاولة "التعويض" عن الخسارات، بقدر ما هو رغبة شديدة في تحقيق الذات. ولعلّ الأسئلة والتأمّلات التي نصطدم بها، هي تعبير عن هذا التناقض بين الامتلاء والفراغ، حيث "عشق" تتنقل بين ذات ممتلئة بالشهرة، وأخرى تعاني الخُواء والخوف والرغبة في الانزواء "كانت دائمًا تبحث في الزوايا، وتتّجه إليها وكأنّها تؤمّن لها راحة نفسية، لأنّها محددة ومحمية من الجوانب، كأنّها تبحث عن ذلك الركن الصغير في منزلها في بعبدا حين تشتدّ حربها النفسية، وحين تضربها الحياة بقذائف فجائية".   ومن بين تأمّلاتها، تبرز العلاقة بين الموت والحبّ والحياة عموما، ويبرز دور العامل الدينيّ متمثّلا في حضور السيدة مريم العذراء، حيث الأم ياسمين تلجأ إلى مريم العذراء فتتعبّد لها وتصلّي كي تحميها من أعين القنّاصين ورصاصهم، تحفظ لها ابنتها وتعيد زوجها الذي تقول إنّها غفرت له إكرامًا للعذراء. كما أن "عشق" نفسها تحمل هذه المشاعر الدينية، وتظهر خصوصا عند وفاة ابنها، فتتساءل "معقول هيدا تمن الخطيئة؟ تمن إني سكِرتْ ونمتْ مع رجل غريب؟ بس ليه جاد؟ ليه جاد يدفع تمن خطيئتي أنا"؟ كما أن هذه "الخطيئة"، تجعلها هي المتحرّرة تتذكّر أهلها وردّات فعلهم تجاهها وتجاه "الجَنين" في أحشائها، ما يضعها في مأزق حقيقيّ وتردّد بين الإنجاب والإجهاض، بين ولادة الجنين أو قتله. وحين ينتهي ابنها بالموت تتساءل "ما أهمية الحُبّ حين نقف عاجزين أمام الموت"     


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» التداعيات الحزينة واستدعاء الماضي في رواية «هاتف الرياح» هاتف الرياح وأنفاس الشجن  / أمير تاج السر هاتف الرياح وأنفاس الشجن / أمير تاج السر مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان مريم مشتاوي ضد «وباء» حب الامتلاك /غادة السمان رسالة شعرية من مريم مشتاوي رسالة شعرية من مريم مشتاوي مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود... مصائر الاغتراب في رواية جسور الحبّ لمريم مشتاوي/  مولود...
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com