سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






ياقوت

20/07/2017 - 05:47:10 pm
الفصل الثاني -رواية ياقوت / آلان الصغير/مريم مشتاوي

ياقوت

الفصل الثاني

آلان الصغير

 

ما أن أنهت ياقوت صلاتها حتى سمعت سما تناديها:

-ياقوت ياقوت تعي شوفي صار عندي رفيق جديد العب معه بس هو حزين كتير ...

استدارت ياقوت باتجاه سما لتجدها تمسك بيد آلان طفل الشاطئ  صاحب القميص الأحمر والسروال الأزرق.

نظرت ياقوت بكثير من الحنان إليهما وقالت:

تعا على قلبي يا آلان الزغير تعالي يا سماي الحلوة...

ثم قبلت سما وضمت آلان بقوة وكأنها تحاول أن تعطيه جرعة كبيرة من الدفء لتنسيه صقيع أمواج البحر التي ضربته لأيام طويلة قبل أن ترميه على الشاطئ...

ليه عم تبكي يا حبيبي ... حكيلي ..

اشتقت لبابا عبدالله... هو ما إجا معي ...

ما تزعل يا زغير رح خليك تشوفه من ثقب بالغيمة ...

فتحت ياقوب ثقب الغيمة فنظر منها آلان ليجد والده نائماً بجانب مقبرة كبيرة... وأمام المقبرة ثلاث صور... صورته وصورة أمه وأخته...

ياقوت بابا لحاله وأنا هون ... طيب وين ماما وأختي ريم؟ إجوا معي على السماء بس بعدين افترقنا وما عدت شفتهم...

آلان الحلو ما تخاف ... هني بأمان وبخير  ....

ولازم تعرف إنو الملائكة حسب قوانين السماء مقسومين قسمين... منهم بناموا نوم عميق أبدي ومنهم مكتوب عليهم يخدموا السماء تيساعدوا الناس على الأرض...أنت الرب اختارك متل ما اختار سما... فيك تزور أمك وأختك بجناح النوم الأبدي بالأوقات المخصصة للزيارة... هني مرتاحين ما تخاف عليهم... نحنا بس لازم نحمل هم الناس الموجودين على الأرض.

طيب بابا زعلان كيف فيني احكي معه...

رح ساعدك تكتبله رسالة وبوصلها لصديقتي ليلى ...هي بدير مار شربل ... وليلى بتلاقي طريقة تعطيه الرسالة...

كانت ياقوت تعرف تمام المعرفة أنها لا تستطيع أن تتواصل مع أحد على الأرض سوى ليلى، وذلك لأن الأخيرة وصلت صلاتها إلى السماء وقبلها الرب بعد تنسكها في المحبسة...

 

حتى محمد مُنعت ياقوت من محادثته بعد زيارتها الأولى لَهُ لأنها لم تستطع أن تتخلص من غيرتها البشرية رغم موتها وصعودها إلى السماء. كانت تكويها الغيرة في كل مرة تراه مع المسعفة منال....

ركع آلان وأغمض عينيه وبدأ يتلو رسالته وياقوت تدونها: 

"يا أبي، إن شئت أبعد عني هذه الكأس "

كنت أسمعك ترددها على المركب ... أذكر أنك قلتُها وعيناك حبيبي مرايا كرم... رأيت يديك الخريفيتين تتطاولان... تتفرعان... تلتصقان بي... فبكيت طويلاً ... قبل أن أرحل بعيداً عنك.

 

"يا أبي ، إن شئت أبعد عني هذه الكأس" أعرف أنك تمنيت قولها ثانية...

ولكن شئتَ أن تطولَ رجلاك الخريفيتان...وشاء الرب أن يعلو صراخي... ويشقّ السماء ليهطلَ المطر...

إمشِ مستقيماً يا أبي رغم الألم  فالأرضُ طيبة أراها تناصفني خطوتك ..

إمشِ مستقيماً يا أبي وإن كان درب الصليب طويلاً طويلا... ولكني سأحمله من السماء معك...

 

صعقت ياقوت من عمق الرسالة... ولكنها كانت تعرف أن الملائكة الصغار ينضجون بفعل الموت ... كانت تعرف أن هناك أصوات عديدة نائمة تتكلم بلسان آلان.

مشت ياقوت لتستريح قليلاً قبل أن تبدأ بمواجهة جديدة مع القرش... وبقيت سما جالسة قرب آلان تحاول أن تخفف حزنه ..

آلان حط دانك على الغيمة ساعتها بتسمع صدى كل الأصوات يلي عم تردد اسمك على الأرض...

لمعت عينا آلان الصغير وتمدد فوق الغيمة الصغيرة وراح يسمع صدى اسمه آتيا من كافة أصقاع الأرض... استغرب كثيراً حين سمع اسمه يتردد بكل اللغات ... فهو كان يتوقع أن يأتيه فقط صدى صوت أبيه وعمته الذين لم يبق سواهما بعد موت كافة أفراد العائلة ...

لمَ يهتم العالم باسمه؟ ابتسم آلان وهو يتذكر قول جدته:

بيقتلوا القتيل وبيمشوا بجنازته...

وكأن الغياب يبرز الجوهر ... وكأن الانسانية تستفيق ساعة الموت....

هل عالم البحار وقرشه أرحم من عالم اليابسة وناسها؟

عالم اليابسة رمى بآلان وعائلته في وسط البحار ... ولكن أمواج البحر  أعادته ليستريح على الشاطئ....

بين وحشية اليابسة وشراسة القرش شاطئ استراحة لجثة صغيرة وكاميرات وأضواء وصحف تطبع بعناوين عريضة ونشرات أخبار ووثائق للأمم المتحدة وصراخ جمعيات حقوق الانسان...

 

قرر عبد الله والد آلان السكن في المقبرة ليبقى مع عائلته الصغيرة... واحتفظ ببنطال لآلان ... كان يضم البنطال في المساء وينظر إلى النجوم البعيدة ... ويكتب في الليل رسائل إلى أسرته الصغيرة، وفي الصباح يذهب إلى الشاطئ ويرميها في البحر.

ويوم عيد ميلاد آلان ذهب إلى الشاطئ وكتب معايدته لآلان على الرمل:

كم هو حزين هذا المساء... متواطئ مع بنطالك الصغير...

وأكثر ما يؤلمني أن البنطال بقي على حجمه.. لم يطل...

ولن يطول مهما انتظرت...

 

ليلى وعبدالله

 

وصلت رسالة ياقوت إلى ليلى فجراً ... وكانت الرسالة هذه المرة مرفقة بالسروال الأزرق والقميص الأحمر الصغير... طلبت ياقوت من صديقتها أن تترك المحبسة وتتوجه إلى مقبرة عائلة عبدالله والد آلان الكردي...

كتبت ياقوت:

كما قال دواود النبي في سفر المزامير "فلتستقم صلاتي كالبخور أمامك"...

ملاكي الأرضي ليلى وصديقة طفولتي...

أتذكرين شجرة الرمان وصلاتنا تحتها...

أتذكرين حلمي يا ليلى؟

كنت أخبرك عن زيارة العذراء وهي تحمل لي  كأساً صغيراً من الماء وكيف كانت تسقيني منه... يومها لم أخبرك بقية الحلم ، لقد كانت العذراء دوماً تردد لي قبل رحيلها:

-هللويا أنت تشربين وليلي ترتوي...

هللويا أنت تشربين وعبد الله يرتوي

هللويا هللويا....

اليوم فهمت قول العذراء يا ليلى ....فها أنا أرسل لك الكأس كي تروي منه عبدالله والد آلان الصغير.... اذهبي إليه وانفخي فيه روحك الدافئة...

غني له يا ليلى من سفر المزامير ورددي:

-الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ... يَحْصُدُونَ بِالابْتِهَاجِ"

هللويا هللويا

وستأتي العصافير لترتل معك:

-أبارك الرب في كل حين ، وعلى الدوام يهلل له فمي .

وارفعي يديك نحو السماء ليسطع نجم في الظهيرة فتنحني لكما الأشجار وهي تهلل:

-تهلل نفسي للرب ، فيسمع المساكين ويفرحون عظموا الرب معي، ولنرفع اسمه وحده.

طلبت الرب فاستجاب لي ، ومن كل مخاوفي نجاني ...

ملاك الرب حول أتقيائه ، يحنو عليهم ويخلصهم...

ذوقوا تروا ما أطيب الرب . هنيئا لمن يحتمي به ....

هللويا هللويا....

 

الزيارة

 

بدأت ليلى تستعد للسفر إلى دمشق... حملت معها بخور اللبان وعطر المر والشموع ومسبحة من الياقوت تفوح منها رائحة المسك والطيب والعنبر ولم تنس ثياب آلان الملفوفة بغيمة ... فكما قالت ياقوت لا أحد يستطيع رؤية تلك الغيمة الملفوفة حول الثياب سوى عبدالله....

كانت عربة مار شربل تنتظرها لتحلق بها إلى دويلعة تلك المنطقة المستلقية على سور دمشق القديمة من جهة الباب الشرقي ... حطت العربة في أول دويلعة ونزلت ليلى تمشي فرأت بيوتاً مكدسة فوق بعضها البعض... غرفاً معتمة شبابيك صغيرة والكثير من الحيطان المرسوم عليها خرائط عمر مهتز من الداخل...  وكانت ألوانها مأكولة... مقشورة الملامح كالبرتقال المنسي تحت الشجر بعد مرور موسم القطف  ...الناس في تلك المنطقة فقراء ولكنهم يعشقون الحياة... ضجيج يملأ المكان فيحصره ويحدده جيداً من الأطراف .... الشارع الرئيسي عبارة عن محال لألبسة جديدة ... أهل هذه المنطقة يصرفون كل ما يملكونه على الثياب ويخجلون أن يخبروا الغرباء أنهم يأتون من هذه المنطقة  فينسبون أنفسهم إلى مناطق أخرى فاخمة كباب توما والقصاع...

اقتربت ليلى من مقبرة عائلة آلان فوجدت عبدالله شاب تسرح على رأسه الديدان، وجسده ملطخ بالوحول والغبار... وكأنه لم يستحم بعد انقلاب القارب....كان يتحدث مع صورة آلان ومع زوجته الشابة وابنه الآخر ولم يأبه لوصول ليلى:

-ما قدرت اسمع صراخكم ما قدرت ما قدرت... صرختوا كتير ما هيك؟ بس هلأ نحنا سوى ... يلا حبايبي قوموا ناكل سوى...

جلست ليلى قربه وأضاءت الشموع وأشعلت البخور ورشت الطيب على التراب ووضعت بين يدي عبدالله الثياب الملفوفة بالغيمة دون أن تتلفظ بحرف واحد.... فبدأت السماء تمطر لتغسل وجه محمد دون أن تطفئ الشموع واجتمعت الطيور حوله وهي تهلل:

آلان قام حقاً قام.... طوبى للأبرياء ...

آلان قام حقاً قام.... طوبى للودعاء....

آلان قام حقاً قام...  طوبى لكل رسول محبة ....

ركع عبدالله بخشوع وذهول كبير... وبكى لساعات وليلى تعانقه وتبكي معه ....

ثم رفعت له رأسه ونظرت في عينيه وقالت:

-عبدالله خلص بكي.... آلان وكل عائلتك ملائكة ... أنت الرب اختارك تكون رسول محبة على الأرض...لازم سوى نعمل تغيير...

بتعرف يا عبدالله ، أكبر لذة على الأرض هي لذة العطاء... لما بتعطي ما بتكون عم تساعد غيرك بقدر ما بتكون عم تساعد حالك... لأنك رح تحس حالك عم ترتفع عن الأرض... لأنك بالعطاء بتقترب من الخالق ساعتها بتعيش لحظة الانتعاش الحقيقية... روحك بتتحرر وبتعيش سلام داخلي...

-شو لازم أعمل ؟ ساعديني....

-لا تبقى هون روح لعند أختك على كندا وساعد المهاجرين هونيك... الله عندو خطة كبيرة لحياتك... هيديك الليلة كان فيك كمان تموت بس بقيت لأن عندك رسالة.... سافر عبدالله ....سافر.... ورح ضَل اكتبلك...

وضعت ليلى مسبحة الياقوت حول عنق عبدالله وقبلت جبهته وغادرت المكان لتعود إلى محبستها في عِنّاية.

 

 


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
الفصل الأول من رواية ياقوت/إلــى ثمار حلب الفصل الأول من رواية ياقوت/إلــى ثمار حلب الأرض الطيبة تدور حول نفسها الأرض الطيبة تدور حول نفسها الفصل الثاني  -رواية ياقوت /  آلان الصغير/مريم مشتاوي الفصل الثاني -رواية ياقوت / آلان الصغير/مريم مشتاوي رواية ياقوت - الفصل الاول -ضياع رواية ياقوت - الفصل الاول -ضياع
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com