شظايا حب

 

 

صبرت عشق على صمت هادي يومين ...كانت ترمق هاتفها بنظرة عتب ضائعة كل بضع دقائق .. وفي كل مرة يرن الهاتف تهفو إليه بسرعة لتصيبها خيبة أمل جديدة... فترمي به على المقعد المجاور وكأنها تود معاقبته بقسوة على صمت هادي.

 اتصلت عشق بصديقتها المقربة  لولو نقاش التي تناديها دائماً شهرزاد لكثرة القصص التي كانت عشق ترويها لها في سهرات لا تنتهي إلا بابتسامة فجر عذبة.

-آلو لولو .. كيفك؟

-أهلا شهرزاد.. ليه صوتك متل شظايا الحرب؟

شهقت عشق وراحت تزخ بمطرها كأنها كانت ممنوعة عن البكاء بحكم مؤبد وأفرج عنها للتو بصورة مفاجئة...

- لولو .. ما بعرف .. بس هادي تغيّر...

- أنت بتبالغي يا أم عيون خضرا... بعدين شو أسوأ تقدير ؟ تعودنا على الفراق..

راحت عشق تضحك ودموعها تجري وتفيض فوق معالم وجهها لتبرز خضرة عينيها وتنتفخ شفتاها الغليظتان أكثر ... 

أغلقت الهاتف بهدوء لترى رسالة فايسبوكية من هادي من ثلاث كلمات فقط:

أنتظرك في البيت..

حضنت عشق هاتفها طويلاً ووضعته على طاولة أمام المرآة الكبيرة .. وراحت تتأمل ملامحها وتبكي فوق هاتفها بصوت مرتفع كمن ينوح فوق قبر طالت مراسم دفنه يومين... واستمرت على هذه الحال إلى أن أنهكها البكاء فاستلقت على فراشها تسترجع أنفاسها الضائعة في أرجاء الغرفة ... تسترجع نفساً ليهرب آخر..

هكذا إلى أن تغلبت على ضعفها وخرجت تجري من البيت...

قادت سيارتها بسرعة جنونية... وحين وصلت بيت هادي دقت الباب بهدوء لا يعكس الجنون الذي يهب في داخلها.. يزلزلها ..يشتتها .. ويكاد يرمي بها كأوراق خريف حمراء تحت قدمي هادي...

فتح لها هادي ومعالم المرض وقلة النوم بادية على وجهه...

ولكنه باستسلام محارب مهزوم أمام عينيها شدها إلى صدره وأدخلها غرفة الجلوس...

-عشق حبيبتي سأعود بعد شهر إلى بلدي ...

عم الصمت لفترة طويلة...

إلى أن سقطت عشق تاركة هادي يلملم أوراقها الحمراء ...

وفي أرجاء الغرفة ينعكس وجه طفل يغني :

ورقو الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك

ذكرني ورقو ذهب مشغول ذكرني فيك...