سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






جسور الحب

29/04/2019 - 07:25:45 pm
جسور الحب… برج غرينفيل / مريم مشتاوي
القدس العربي

 

أنا بايا، وها أنا ذا أجمع الآن أمتعتي ونبضاتي التي تبعثرت في مدينة حضنتني منذ الطفولة.

كان المطر يتساقط بحنان فوق عاصمة الشرق الجزائري نقطة نقطة، تمامًا كما تتساقط أحلامي التي بنيتها فوق صخور المدينة… وكم هو موجع ذاك الحنان حين تترجمه الطبيعــة برقتهــا… لو سقطت الأمطار بشراسة مرة واحدة لكانت أخف حـدة علـى التحمـل… كـانت حبات المطر تغسل البيـوت القديـمة والكهـوف والمساجـد العريقـة، وتولي اهتمامًا خاصًا بمسجد الأمير عبد القادر، ربما بسبب علّوه، كنت دومًا أعتقد أن الله يكتب له آيات المحبة برذاذ المطر… وكذلك حي النحاسين، فالله يحب هؤلاء الذين يعجنون يومهم بالعرق، والذين تتشقق أياديهم فينبعث منها الجمال.

كانت الرياح تتأرجح مع الجسور كي تنفخ الحياة في صباح جديد يلتحف مدينة الصخر العتيق.. أجمع أغراضي وأنا أسمع صوت المدينة يعاتبني، يرجوني التريث. فأنا أؤمن منذ صغري بأن الصخرة القديمة في مدينتي تتكلم تنبض بحنان.. لقد أخبرتني جدتي حين كنت صغيرة بأن تلك الصخرة القديمة تخشى الوحدة، لذلك مدت جسورًا وعقدت يديها بصخرة أخرى.. أخبرتني أن هناك صخرتين تشابكت يومًا أصابعهما ببعضها بعضا لترقص فوقهما أحلام المارة.. هذه هي مدينتي… مدينة قسنطينة أو قسمطينة.. مدينة الصخرتين الموصولتين بجسور معلقة بحكايات قديمة بخطوات أناس يحملون مشاعل الحرية والفكر والأمل.. مدينة التراث العتيق حين أمشي في زواريبها، أدرك ضمنًا أن هناك حياة أخرى قديمة تخفق تحتها.. مدينة مرت عليها الحضارات وتركت قبلاتها فوق الأبواب والشبابيك. مازلت أذكر حين دخلت قصر الباي للمرة الأولى… شعرت يومها بأنني أميرة من الزمن العثماني وهذا قصري.. كاد خيالي يورطني بعشق أناس رحلوا وتركوا ذكرياتهم تحيط بالمكان وتستدرج الحاضر إليها.. منحتني اسمي جدتي رقية.. إنها الأمازيغية الأصيلة التي عرفتني على حضارتها وعلمتني عاداتها وتقاليدها، وأبت أن ترحل قبل أن تترك في داخلي الكثير منها.

كانت جدتي تقوم بذبح «ديك رومي» على عتبة البيت اعتقادًا منها أنه يبعد الشرور وينده للخير. ومن بين العادات والتقاليد التي ورثتها عن جدتي أن أقول: صحة وراحة، حين أنتهي من العشاء كتعبير شكر على نعمة الطعام، وعلمتني كيف أطبخ طبق الكسكسي بالدجاح، وأقوم بتوزيع بعض منه على الجيران حتى وإن كانت الكمية التي طهوتها قليلة كتعبير عن المحبة والتضامن معهم وكعمل رحمة يجلب الخير لأصحابه..

كيف أنسى وصية جدتي بأن أحتفظ بزيّها القبائلي الذي أهداها إياه جدي بعد الزفاف.. كانت تتباهى بالجبة الحريرية المزخرفة بخيوط ذهبية وبرسومات تحتفل بالتراث الأمازيغي الأصيل.. جبة اختلطت فيها ألوان الفرح كلها؛ الأحمر الأرجواني الملكي والزعفران الثوري والأخضر الشامخ.. وتحيط خصرها بحزام عريض تتوسط

 


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
رواية جسور الحب / الفصل الأول  مدينة الجسور المعلقة... رواية جسور الحب / الفصل الأول مدينة الجسور المعلقة... جسور الحب… برج غرينفيل / مريم مشتاوي جسور الحب… برج غرينفيل / مريم مشتاوي
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com