سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






مقالات الاديبة مريم مشتاوي الاسبوعية بالقدس العربي

26/01/2022 - 06:22:12 pm
«مشقة الحياة» صورة تختزل الألم العربي وتهز العالم… وأم فلسطينية تمسك بقبر ابنها المعرض للهدم!
مريم مشتاوي /القدس العربي

«مشقة الحياة» صورة تختزل الألم العربي وتهز العالم… وأم فلسطينية تمسك بقبر ابنها المعرض للهدم!

 

 

صورة بألف كلمة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية كالنار في الهشيم.

تداولها الكثير من نجوم السينما والأدب والفن على صفحاتهم لمَا تحمله من ألم يجسد حياة الكثير من سكان هذا العالم البائس.

إنها صورة بعنوان «مشقة الحياة» حصلت على جائزة أفضل صورة لعام 2021 في حفل جوائز «سيينا» الدولية للصور.

نعم إنها الأفضل. وهل هناك ما يجسد حالة التعاسة، التي نعيشها أكثر من لقطة تعكس أباً يقف بساق واحدة حاملاً بيديه المتعبتين وبكل فخر واعتزاز ومحبة ابنه المولود بدون أطراف سفلية أو علوية؟

صورة تعكس المشقة، ولكنها أيضاً تعكس القوة والصبر على الألم.

إنها أيقونة تجسد أباً يحرث ألمه حتى ينبت الأمل. هكذا يرفع صغيره نحو السماء كي ينبت لطفله جناحان فيحلق بعيداً عن الأرض الخراب.

لقد التقط ذلك المشهد المؤثر مصور تركي يدعى محمد أصلان في الريحانية في محافظة هاتاي التركية على حدود سوريا. وقد قال لصحيفة «واشنطن بوست» إنه التقى بأب لثلاثة أطفال في جنوب تركيا، حيث كانت العائلة تعيش في متجر بعد أن ضاقت بها الحياة.

فما هي القصة المختبئة خلف الصورة؟

بدأت القصة حين أصيب الوالد خلال القصف على خان شيخون في سوريا فبترت ساقه اليمنى. أما ابنه فولد بدون أطراف بسبب الأدوية، التي تناولتها والدته خلال حملها به جراء إصابتها هي الأخرى بالغازات السامة من براميل الأسد.

يبقى السؤال كم من مشهد مشابه عاشته سوريا واليمن ولبنان والعراق والسودان في السنوات الأخيرة؟

وهل ستتمكن ذاكرتنا الجماعية أو الفردية من الاحتفاظ بها كلها؟

أم أن كثرة المشاهد المؤلمة قد تسخف التعاسة وتبنج الذاكرة فتسقط الصور عن أغصانها واحدة تلوى الأخرى. هكذا نخطو عليها ولا تصدر منها سوى خشخشة خجولة.

لقد سقتنا تلك الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة التي تسيطر على العديد من بلداننا العربية الوجع حتى الثمالة إلى حد أن بعضنا فقد الكثير من أحاسيسه الإنسانية. ولكن يبقى هناك أبطال في مجتمعاتنا يتصالحون مع أوجاعهم فتستحيل جروحهم نوراً تضيء أنفاق الحياة المظلمة.

صورة «مشقة الحياة» ذكرتني بصورة رجل في مدينة طرابلس اللبنانية أو بطل آخر أيام ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر وهو يكنس الشارع برجل واحدة .

لقد شرح مثل هذه الحالات المعالج النفسي شون غروفر، موضحاً أن «التعامل الصحيح مع الآلام يمكنه أن يعمق المشاعر الإنسانية لدى أصحاب هذا الوجع ويجعلهم أكثر قدرة على التعاطف والتواصل مع الآخرين.

فبالرغم من تذكير الألم بمدى «هشاشة» الحياة، فهو أيضاً يذكر بقيمتها، ويمكن أن يلهم من يمر بهذه التجارب لمعرفة قيمة اللحظة التي يعيشونها.

وهذا خير دليل على تلك الابتسامتين المتبادلتين بين الأب وابنه في صورة «مشقة الحياة».

كلاهما يدرك أهمية تلك اللحظة المفعمة بالحب التي تجمعهما معاً، رغم أنف الموت المحيط بهما.

ولكن تبقى سعادتنا مغلفة بالمخاطر. وهذا ما أشارت إليه مديرة التصوير في «نيوزويك اليابان» وأحد الحكام في اللجنة كاتاوكا هيديكو: «سعادة الأب وابنه، حتى عندما يقف الرجل على ساق واحدة، هي محفوفة بالمخاطر».

 

أم تمسك بقبر ابنها

 

ومن سوريا إلى فلسطين المحتلة، مشهد آخر مدو انتشر على الـ«سوشيال ميديا» لأم فلسطينية منكوبة تصرخ بصوت يصدح بالألم «دشروني دشروني» أي اتركوني!

إنها هلا نبابتة، والدة الشهيد علاء نباتتة.

تراها ماذا تطلب؟

هي لا تطلب أن تبقى في بيتها، التي قد تطرد منه في أي لحظة، ولا أن تتمسك برغيف خبز ساخن يسد جوعها.

هي فقط تصرخ محاولة أن تحمي قبر ابنها من الهدم. تجثو أمامه بخشوع رافضة تجريفه. تتمسك وبكل قوتها بتربته وبرائحته، التي تتسحب نحوها من بين حبات التراب وهي تردد:

« قبر ابني هنا على جثتي فقط سيجرفونه»!

لقد دفن ابنها في مقبرة «اليوسفية» التي تعد من أكبر المقابر الإسلامية في القدس.

لكن سلطات الاحتلال لم تكتف بقتل الأحياء بل تلاحق الأموات في قبورهم كي تقتلهم مجدداً. ميتة واحدة تبدو وكأنها لا تكفي، ربما ميتتان تحققان للعدو الصهيوني ذلك الشعور المريض بالنصر المخزي والرخيص.

عام مضى وهي تحاول تجريف المقبرة لإقامة حديقة توراتية.

هكذا وبكل بساطة تنبش القبور وكأنها ترغب بإسقاط أقسى درجات التعذيب على قلوب أمهات الشهداء.

وأنا أشاهد تلك الأم وهي تدافع عن حق ابنها بالموت الهادئ، تخيلت شهيدها وهو يلملم عظامه ناهضاً من موته مردداً ما قاله درويش:

«ماذا جنينا نحن يا أماه؟ حتى نموت مرتين/ فمرة نموت في الحياة/ ومرة نموت عند الموت.»

في تلك اللحظات وددت فقط النظر في عيني من شدها بيديها وأبعدها عن قبر ابنها محاولاً جرفه.

كل ذلك وما زال هناك من يطبع مع العدو المحتل والقاتل ويعقد اتفاقيات سلام على حساب الشعب الفلسطيني وحقه في حياة كريمة.

يا لكمية القبح والظلم والأسى في عالمنا المتوحش.


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
«أسطورة الرياض» في مواجهة «زعران» السوشال ميديا… من يعاقب... «أسطورة الرياض» في مواجهة «زعران» السوشال ميديا… من يعاقب... طفلة سورية تصمم من أكياس النفايات فساتين جميلة… وأخرى... طفلة سورية تصمم من أكياس النفايات فساتين جميلة… وأخرى... في لبنان: البؤس برعاية رسميّة … ورياضيّ جزائريّ يدفع... في لبنان: البؤس برعاية رسميّة … ورياضيّ جزائريّ يدفع... مصر: أحكام تمييزية ضد فتيات «تيك توك»… ولاجئ سوري يدعو... مصر: أحكام تمييزية ضد فتيات «تيك توك»… ولاجئ سوري يدعو... طرابلس تدفن أطفالها ونساءها وشيوخها والسياسيون قلقون... طرابلس تدفن أطفالها ونساءها وشيوخها والسياسيون قلقون...
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com