سيرة ذاتية
روايات
مقالات
حوارات
اخبار مريم مشتاوي
جاليري مريم مشتاوي
اصدارات
شعر مريم مشتاوي






مقالات الاديبة مريم مشتاوي الاسبوعية بالقدس العربي

30/08/2022 - 10:11:48 pm
طرابلس تدفن أطفالها ونساءها وشيوخها والسياسيون قلقون من إزالة صورهم وتهديد المشهد الانتخابي!
مريم مشتاوي /القدس العربي

طرابلس تدفن أطفالها ونساءها وشيوخها والسياسيون قلقون من إزالة صورهم وتهديد المشهد الانتخابي!

 

أذكر أول مرة زرت فيها مدينة طرابلس الشمالية، كان سائق التاكسي في منزلة دليل سياحي يشرح لنا عن معالم تلك المدينة التاريخية.

مدينة إن تأملتها جيداً عرفت أنها الذراع البحريّة التي تحتوي لبنان. تضمه بحنو إلى قلبها. وتطبطب عليه حين يعجز عن التنفس. لكن تلك الذراع بترت بفعل الفقر والوجع والبطالة. تلك المدينة التي كانت ترغي فقاقيع من الضجة ليل نهار صمتت على غفلة بعد قرار قسم من أبنائها بالرحيل هرباً من بؤس وذل وموت بالأقساط، لكن كان البحر ينتظرهم فاغراً فاهاً أعرض من جهنم.

وها هي طرابلس التي ما كانت لتغفو لا على كتف الميناء ولا في ظل جبال الأرز تنام نومتها الأخيرة بعد تشييع صغارها الذين نهشت أجسادهم الصغيرة أمواج البحر وقروشه وأسماكه.

سكنت تلك المدينة التي كانت تضج بالحياة فترتفع فقاقيعها وأصواتها المتداخلة من خان الصابون ومن عربات الباعة ومن السوق ومن رفع الأذان في المسجد ودقات أجراس الكنيسة.

إنها تعجزاليوم عن النطق. ما عاد يرتفع صوتها إلا لتشييع أهلها بعد أن غرق بهم مركب الموت الذي كان أملهم الوحيد للهروب من حياة لا تليق لا بالإنسانية والإنسان.

إن الشعب اللبناني عامة يعيش من قلة الموت وأهل طرابلس تحديداً يحتضرون بعد الارتفاع الجنوني للأسعار وانقطاع الكهرباء والمياه والأدوية. عائلات كثيرة ما عادت قادرة على تأمين لقمة عيشها. نامت المدينة. نعم نامت نومها الأخير من آلامها على شعب مهزوم لا قدرة له على تغيير الواقع.

اليوم ما عاد الغضب بكل أشكاله يكفي. ولا الحزن بكل دموعه يكفي.

وباتت التعزية فعل سخيف جداً أمام القهرالذي استعمر بيوت أهالي مدينة طرابلس. ليس لهذه المدينة بواكٍ لأن من يمثلوها في حكومة «العهد القوي» شركاء في الجريمة.

من أين نبدأ وما هي قصة مركب الموت؟ هل هو مركب واحد أو مراكب لا تنتهي منها السورية واللبنانية والفلسطينية والعراقية والليبية وغيرها؟

لقد قررت بعض العائلات الطرابلسية مغادرة المدينة بعد أن ضاقت بهم كل سبل الحياة. جمعوا حقائبهم وصعدوا المركب. لم يخشوا الغرق في البحار فهم موتى أساساً في الحياة. لم يبق لهم سوى أمل صغير بحياة أفضل قد تنتظرهم في الجهة المقابلة من العالم.

كانوا حوالي 84 شخصاً في زورق لا يسمح لأكثر من عشرة أشخاص بركوبه، حسب تقارير الجهات المسؤولة. لكنهم فضلوا المخاطرة لتأمين حياة أفضل لأبنائهم. خذلهم المركب وغرق قبل أن يقطع المياه الإقليمية بعد أن حاول الجيش إيقافه ومنعه من إكمال الرحلة نحو المجهول.

 

اتهامات موجعة

 

لقد شهدت طرابلس حالة عارمة من الغضب والتوتر والاستنكار بعد عودة الناجين وتوجيه أصابع الاتهام الموجع لعناصر من الجيش في التسبب بغرق الزورق. فبعض الناجين أكدوا عبر أحاديث موثقة في فيديوهات اصطدام زورق الجيش بزورق رحلة الموت عن سبق اصرار وترصد:

«هو الجيش فات فينا.. حاول يوقفنا ما وقفنا.. قام ضربنا بزورقه وابتعد وبعدها دغري غرق المركب».

كما يقول أحد الأشخاص لقناة الجديد وهو أيضاً من الناجين في حادثة مركب الموت: «كنت على المركب.. كنت أود أن أؤمن مستقبلاً لأولادي لأننا في بلد لا أمن فيه ولا أمان. لكنهم لا يريدوننا أن نصل. أطفالنا ونساؤنا ماتوا أمام أعيننا. حاولت أن أنقذ الأطفال علّ أحدهم يجد أولادي ويخلصهم من الغرق.

يشهق من البكاء ويكمل حديثه: قلت للجيشي يساعدني قلي تعا سباحة يا كلب».

هكذا انتهت الرحلة بموت عدد كبير من ركاب المركب غرقاً وعودة حوالي أربعين شخصاً بعد أن قامت فرق الجيش اللبناني والصليب الأحمر بإنقاذهم.

لكن هؤلاء الناجين سيكملون موتهم الممدد على أرض الوطن!

إن رحلات الموت في البحار بكل قواربها الصغيرة وزوارقها غير الآمنة هي النتيجة المتوقعة لزمن طويل من الفساد وسرقة الشعب وانعدام الأمن وتردي الحالة الاقتصادية التي أسس لها الزعماء «بمهاراتهم المعهودة» في بلادنا وهم يعقدون صفقاتهم ويرفعون حيطان قصورهم ويكدسون الأموال في حساباتهم البنكية.

لقد لبس لبنان الأسود حداداً على ضحايا زورق الموت. أما طرابلس التي خرجت كلها لتشييع أطفالها ونسائها ورجالها ومسنيها فكاد يخنقها الغضب والحزن. وسرعان ما قام الأهالي بقطع الطرقات وتمزيق كل الصور واللافتات المعلقة للمرشحين في المدينة.

ذلك المشهد طبعاً كان كفيلاً بإرباك بعض المرشحين مع اقتراب موعد الانتخابات.

فهذا كل ما يهم السياسيين! الوصول إلى الكراسي وليغرق من يغرق وليمت جوعاً، لكن بصمت وهدوء، كل من لا قدرة له على شراء رغيف خبز .

لقد أثار غرق مركب الموت ضجة كبيرة بين رواد السوشيل ميديا في لبنان وحزن وتفاعل المشاهير من بينهم أليسا المعروفة بمواقفها الوطنية وجرأتها في مواجهة المسؤولين: «مأساة طرابلس هي دليل جديد على بلد حكامه ما بالن يشبعو اللي عم بيموت.. هالمدينة الفقيرة رئيس الحكومة هو أغنى لبناني وهو منا. وبتضم كمان أهم أغنياء لبنان. مش حرام ولادها يموتوا من الجوع أو هني وهربانين؟.»

كما كتب زياد برجي: «الإجرام اللي عم بصير بحق اللبنانيين وصلهم يكبوا حالن بالبحر. الله لا يسامح كل حدا مسؤول عن هالمشهد.»

الله يسلم فمك. نعم الله لا يسامحكم. ويا ليت قارباً معطوباً من هذه القوارب يجمعكم معاً ويغرق بكم في مكان لا قدرة حتى لسمك القرش على الوصول إليه. هناك تحت سابع «بحر». فبغير تلك العجيبة لن ينظف لبنان ولن نستعيد عافيتنا وعافيته.


اضف تعليق
عدد التعليقات :0
* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مواضيع متعلقه
«أسطورة الرياض» في مواجهة «زعران» السوشال ميديا… من يعاقب... «أسطورة الرياض» في مواجهة «زعران» السوشال ميديا… من يعاقب... طفلة سورية تصمم من أكياس النفايات فساتين جميلة… وأخرى... طفلة سورية تصمم من أكياس النفايات فساتين جميلة… وأخرى... في لبنان: البؤس برعاية رسميّة … ورياضيّ جزائريّ يدفع... في لبنان: البؤس برعاية رسميّة … ورياضيّ جزائريّ يدفع... مصر: أحكام تمييزية ضد فتيات «تيك توك»… ولاجئ سوري يدعو... مصر: أحكام تمييزية ضد فتيات «تيك توك»… ولاجئ سوري يدعو... طرابلس تدفن أطفالها ونساءها وشيوخها والسياسيون قلقون... طرابلس تدفن أطفالها ونساءها وشيوخها والسياسيون قلقون...
تعليقات
Copyright © mariammichtawi.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع مريم مشتاوي
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com